للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"ليس لأحد أن يحتج على كراهة دخولها، أو عدم استحبابه، بكون النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يدخلها، ولا أبو بكر وعمر، فإن هذا إنما يكون حجة لو امتنعوا من دخول الحمامات، وقصدوا اجتنابها، أو أمكنهم دخولها فلم يدخلوها. وقد علم أنه لم يكن في بلادهم حينئذ حمام، فليس إضافة عدم الدخول إلى وجود مانع الكراهة أو عدم ما يقتضي الاستحباب بأولى من إضافته إلى فوات شرط الدخول وهو القدرة والإمكان.

وهذا كما أن ما خلقه الله في سائر الأرض من القوت واللباس والمراكب والمساكن لم يكن كل نوع منه كان موجوداً بالحجاز. فلم يأكل النبي - صلى الله عليه وسلم - من كل نوع من أنواع الطعام القوت والفاكهة، ولا لبس من كل نوع من أنواع اللباس. ثم إنّ من كان من المسلمين بأرض أخرى كالشام ومصر واليمن وخراسان وغير ذلك، عندهم أطعمة وثياب مجلوبة عندهم أو مجلوبة من مكان آخر، فليس لهم أن يظنوا ترك الانتفاع بذلك الطعام واللباس سنّة، لكون النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأكل مثله ولم يلبس مثله، إذ عدم الفعل إنما هو عدم دليل واحد من الأدلة الشرعية. وهو أضعف من القول، باتفاق العلماء. وسائر الأدلة من أقواله كأمره ونهيه وإذنه، ومن قول الله تعالى، هي أقوى وأكبر. ولا يلزم من عدم دليل معيّن عدم سائر الأدلة الشرعية" (١). اهـ.

وأما الترك المقصود، فهو الذي يعبّر عنه بالكفّ، أو الإمساك، أو الامتناع.

هل الكفّ فعل من الأفعال؟:

يرى كثير من الأصوليين أن الكفّ فعل من الأفعال، وهو عندهم فعل نفسي (٢). ونُسِب إلى قوم، منهم أبو هاشم الجبائي، إن الكف انتفاء محضّ، فليس بفعل (٣).


(١) الفتاوى الكبرى ٢١/ ٣١٣ - ٣١٤
(٢) السبكي والمحلي: جمع الجوامع وشرحه ١/ ٢١٤، الشاطبي: الموافقات ١/ ١٢ و٤/ ٥٨، شرح مختصر ابن الحاجب ٢/ ١٣، ١٤، السرخسي: أصوله ١/ ٨٠
(٣) المحلي: في شرح جمع الجوامع ١/ ٢١٥

<<  <  ج: ص:  >  >>