للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقول يمكن إخلاؤه عن مثل هذه الاحتمالات.

ووجه خامس: نضيفه إلى ما ذكره الأصوليون، وهو أن القول تتبلور به الأحكام والصلاة بين الأمور. وكم من حقائق كانت موجودة بالفعل، ولكن لا يلتفت الناس إلى وجودها، ولا ينتبهون إلى أنها تمثل دوراً فيما يجري (بالفعل) أمام أبصارهم. فلما قُيِّض لها شخص ذو فطانة وذكاء، فلمحها وعبّر عنها بالقول، أصبحت شيئاً معلوماً يمكن لغيره من الناس فهمه وتطبيقه والاستفادة منه. ويؤكد ذلك حوادث استخراج قوانين الظواهر الطبيعية، كالكهرباء والجاذبية والمغناطيسية والحرارة والبرودة، وتأثيراتها المختلفة. وشبيه به ما نراه لعلماء الصحابة كعائشة رضي الله عنها، في فهمها للأحكام وأسبابها من أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم -، في شؤون طهارته وصلاته بالليل والنهار وصيامه وغير ذلك، وما نراه لأئمة الأصوليين من استنباطهم لقوانين الأصول، مع أنها كانت جارية قبلهم (بالفعل) في نصوص الكتاب والسنة وكلام الناس، وهكذا الخليل مع قوانين العروض، وهكذا أيضاً قوانين كل علم وفن مما يوفق الله من شاء من أهل المواهب لاستخراجه والتعبير عنه. وبه تعالى التوفيق.

[المذهب الثاني: احتج القائلون بأن الفعل أبلغ في البيان، بأدلة، منها]

أولاً: أن يتبيّن بالفعل من الهيئات والتفصيلات ما يصعب بيانه بالقول، حتى أن ما يتبيّن بالفعل ليتعذّر بيانه بالقول أحياناً (١)، خاصّةً وأن من الهيئات الفعلية ما لم يوضع له لفظ خاص.

وثانياً: أن الفعل أفعل في النفس، بحيث تطمئن إليه أكثر، ويستمرّ في الذاكرة زمناً أطول (٢). وقد تقدم ذكر هذا في التعلّم بالمشاهدة، وأيضاً في البيان التقريري بالفعل.

ومما ذكروه من هذا الباب ما وقع في الحديبية، حين أمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالفسخ


(١) انظر تيسير التحرير. والقرافي: شرح تنقيح الفصول ص ١٢٣، ١٢٤ والآمدي: الإحكام ٣/ ٣٤
(٢) أشار الآمدي إلى هذا الدليل، حكاه القاضي عبد الجبار في المغني.

<<  <  ج: ص:  >  >>