للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعضها كما أن الأفعال كذلك. وليس هذا المثال مما يجب فيه الترك. لأنه قد ينوي ويرتب أحياناً ويترك ذلك أحياناً أخرى. ولأنه لم يأتنا دليل على أنه - صلى الله عليه وسلم - تركه على سبيل الوجوب.

[المطلب الثاني إدراك الصحابي للفعل المنقول]

أما الأقوال فإن الصحابي يدركها بحاسة السمع، ويسمع ألفاظاً محددة، فيتمكن من نقلها كما سمعها، وقد يرويها بالمعنى.

وأما الأفعال فإن إدراكها يتم في الأغلب بحاسّة البصر. وقد يتمّ بغيرها كعلمهم باستعماله - صلى الله عليه وسلم -، للطيب والعطور.

وما يدركه الصحابي من ذلك بحاسة البصر قد يكون إدراكاً مباشراً، وهو الأغلب وقد يكون إدراكاً غير مباشر، ولعل من ذلك ما روى عبد الله بن عمر أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يصبغ بالصفرة (١)، وقال أنس: لم يخضب (٢). قال ابن حجر: "فيحتمل أن يكون الذين أثبتوا الخضاب شاهدوا الشعر الأبيض، ثم لما واراه الدهن ظنّوا أنه خضبه".

وهكذا، فإن النقل للفعل يكون أتمّ وأصحّ إن كان الصحابيّ (رآه وهو يفعل) لا أن يكون (رأى ما يستدل به على أنه فعل) وقول ابن عمر: "رأيته - صلى الله عليه وسلم - يصبغ بالصفرة" لا يعني أنه رآه أثناء مباشرة عملية الصبغ، بل يحتمل أنه رأى الصفرة فظنها صبغاً، كما قال ابن حجر.

وبعض الأفعال ليس مما يدرك بحاسّة أصلاً، وإنما تدرك آثاره. فلا بدّ أن يلاحظ الناقل لها تلك الآثار، ويلاحظ تكررها، وعدم صدور مخالف لها في الدلالة، ليتمكّن من إثبات الفعل، وذلك كقول عائشة رضي الله عنها: "كان يحب


(١) حديث ابن عمر في الخضاب بالصفرة: البخاري ١٠/ ٣٠٤
(٢) حديث أنس في نفي الخضاب: البخاري ١٠/ ٣٥١

<<  <  ج: ص:  >  >>