يواظب على ترك الأفضل، فيلزم أنه واظب على الأفضل. ومثاله: الوضوء المرتّب المنويّ، هو بالإجماع أفضل من الوضوء المنكوس، أو غير المنويّ. ورسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لا يواظب على ترك الأفضل، فيلزم أنه فعل الوضوء مرتباً منوياً.
أقول: للمخالف أن يقول إن التقسيم غير حاصر، فهناك حال سوى المواظبة على الفعل والمواظبة على الترك، هي أن يفعل دون مواظبة ويترك دون مواظبة.
وهي الأكثر في الأفعال المندوبة، كتثليث الوضوء.
فهذا الدليل لا ينتج أكثر من أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، كان يغلب في عمله الأخذ بالأفضل.
وقد استخدم ابن قدامة هذا الدليل لإثبات أن وقت العيد بعد ارتفاع الشمس قيد رمح، لا عند طلوع الشمس. قال:"لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن بعده لم يصلوا حتى ارتفعت الشمس. بدليل الإجماع على أن الأفضل فعلها في ذلك الوقت. ولم يكن للنبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل إلاّ الأفضل والأولى"(١).
ونحن نرى أن قوله:"لمَ يكن يفعل إلاّ الأفضل" ممنوع. إذ قد كان يفعل ما هو أقل فضلاً، أحياناً، توسعة وتيسيراً على أمته. والله أعلم.
٥ - ومنها ما ذكره الزركشي أيضاً، وهو أن يقال في المثال السابق: لو ترك - صلى الله عليه وسلم - النية والترتيب في الوضوء لوجب علينا تركه، بدليل الاقتداء به، لأن المتابعة كما تكون في الأفعال، كذلك تكون في التروك. ولما لم يجب علينا تركه يثبت أنه ما تركه بل فعله.
وهذا الدليل مبني على مقدمة هي وجوب المساواة في الترك. ويأتي بحثها في فصل التروك من الباب الثاني إن شاء الله. وليست مطردة في كل التروك، بل في