للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يدلّ على المطابقة، لأن مأخذ المسألة ومناطها، أعني كون التقرير حجة، هو العصمة من التقرير على باطل، وذلك يتوقف على تحقق البطلان، ولا يكفي فيه عدم تحقق الصحة" (١). اهـ.

[٢ - الإقرار على الأفعال]

إن تقرير النبي - صلى الله عليه وسلم - أحداً على فعل، يدلّ على أن لا حرج في ذلك الفعل. وذلك يصح في الفعل إذا انتفى أن يكون حراماً. فإن الحرام هو الذي يأثم فاعله ويعصي به، وهو المنكر الذي أمر - صلى الله عليه وسلم - بإنكاره.

فما أقرّ عليه إما أن يكون واجباً، أو مندوباً، أو مباحاً.

وأما المكروه، فالمشهور عند الأصوليين أنه - صلى الله عليه وسلم - لا يُقِر عليه. وذلك مشكل. ووجه إشكاله أن المكروه ليس معصية، بل يؤجر من تركه لله، وأما من فَعَله فلا إثم عليه. فليس هو معصية حتى يلزم النبي - صلى الله عليه وسلم - إنكاره.

هذا ما يبدو بادي الرأي.

ولكن لما كان المكروه مطلوب الترك، وهو منهي عنه، فهو منكر من هذه الناحية. فلا يترك النبي - صلى الله عليه وسلم - إنكاره وإن لم يكن معصية. وإنما يرفع الحرج عن فاعله بعد أن يقع، أما قبل وقوعه فهو يستحق النهي عنه كالمحرمات.

والحاصل أن المنكر الذي يستحق الإنكار، أعمّ من المعصية.

ويقول الشاطبي: "المكروه غير داخل تحت ما لا حرج فيه، لأن المراد بما لا حرج فيه هنا ما قبل الوقوع. ولا شك أن فاعل المكروه مصادم للنهي بحتاً كما هو مصادم في الفعل المحرم، ولكن خفة شأن المكروه، وقلة مفسدته، صيرته -بعدما وقع- في حكم ما لا حرج فيه، استدراكاً له من رفق الشارع بالمكلف. ومما يتقدمه من فعل الطاعات، تشبيهاً له بالصغيرة التي يكفّرها كثير من الطاعات" (٢).


(١) (الإمام) لابن دقيق شرح (الإلمام في أحاديث الأحكام) من خير ما كتب ابن دقيق العيد. وقد أثنى الزركشي على (الإمام) جداً، وقال: (به ختم التحقيق في هذا الفن) يعني فن أصول الفقه، لما أورد فيه من التحقيقات الأصولية. ويظهر أن الإمام مفقود الآن.
(٢) الموافقات ٤/ ٦٧، ٦٨

<<  <  ج: ص:  >  >>