للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا وقد أثبت الشاطبي (١) نوعاً من الإقرار لا يدل على الإباحة الصرفة. وهو أن يقر أحداً على شيء ثم يتنزه عنه هو، كإقراره عائشة على بيان بعض شأن الحيض للمرأة السائلة وتركه هو - صلى الله عليه وسلم -. وكإقراره بعض شأن الليل والغناء مع إعراضه عن سماعه.

والذي يظهر من كلام ابن حزم أنه يرى جواز الإقرار على المكروه، فإنه يقول: "الشيء إذا تركه - صلى الله عليه وسلم - ولم ينهَ عنه ولا أمر به، فهو عندنا مباح أو مكروه، من تركه أُجِر، ومن فعله لم يأثم ولو يؤجر، كمن أكل متكئاً، ومن استمع زمارة الراعي. فلو كان ذلك حراماً ما أباحه لغيره، ولو كان مستحباً لفعله، فلما تركه كارهاً له كرهناه ولم نحرمه" (٢).

ويقول أيضاً: "إن كان قد تقدم في ذلك الشيء نهي فقط ثم رآه - صلى الله عليه وسلم - أو علمه فأقره، فإنما ذلك بيان أن ذلك النهي على سبيل الكراهة فقط" (٣). وجعل منه إقراره - صلى الله عليه وسلم - لصحابته على الصلاة خلفه وهم قيام وهو جالس، وكان قد نهاهم عن ذلك.

هذا وإن من مشكل التقارير ما روى البخاري، واللفظ له، ومسلم، عن أم عطية، قالت: بايعْنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقرأ علينا: {أن لا يشركن بالله شيئاً} ونهانا عن النياحة. فقبضت امرأة يدها، فقالت: أسعدَتْني فلانة، فأريد أن أجزيها، فما قال لها النبي شيئاً -وفي رواية مسلم قالت: إلاّ آل فلان فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية، فلا بدّ لي أن أسعدهم. قال: إلاّ آل فلان- فانطلقت ورجعت، فبايَعَها.

فظاهره أنه أذن لها في المحرم.

وقد اختلف تخريج العلماء له، فمنهم من تخلّص بأنه خاص بتلك المرأة. ومنهم من قال: أذن لها في البكاء دون صوت. ومنهم من قال: ليست النياحة


(١) الموافقات ٤/ ٧٢
(٢) الإحكام ص ٤٨٤
(٣) الإحكام ص ٤٣٧

<<  <  ج: ص:  >  >>