للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما تكلّم الأصوليون في الهم والعزم منه - صلى الله عليه وسلم -. ونحن نجعل القول فيهما واحداً لتقاربهما وعسر الانفصال بينهما، حتى إن بعض أهل اللغة قال: الهم هو العزم (١).

وهذان النوعان هما فعلان نفسيان، ومن هنا دخلا في موضوع هذه الرسالة.

هل الهمّ بالشيء حجة؟:

إذا همّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بالشيء ولم يفعله، ففي دلالته على مشروعية فعل ذلك الشيء قولان:

الأول: أن ما همّ به حجة. وقد جعله الزركشي أحد أقسام السنة. قال: ولهذا استحبّ الشافعي في الجديد للخطيب في الاستسقاء مع تحويل الرداء تنكيسَه، بجعل أعلاه أسفلَه، محتجاً بـ "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استسقى وعليه خميصة له سوداء، فأراد أن يأخذ أسفلها فيجعله أعلاها. فلما ثقلت عليه قلبها على عاتقه" (٢).

قال الشافعي بعد أن ذكر الحديث: "وبهذا أقول، فنأمر الإمام أن ينكّس رداءَه فيجعل أعلاه أسفله، ويزيد مع تنكيسه فيجعل شقّه الذي على منكبه الأيمن على منكبه الأيسر، والذي على منكبه الأيسر على منكبه الأيمن، فيكون قد جاء بما أراد رسول الله من نكسه، وبما فعل من تحويله" (٣). اهـ.

وقال الشوكاني: قال الشافعي ومن تابعه إنه يستحب الإتيان بما همّ به - صلى الله عليه وسلم -. ولهذا جعل أصحاب الشافعي الهمّ من جملة أقسام السنة، وقالوا يقدم القول ثم الفعل ثم التقرير ثم الهمّ.

الثاني: أن الهمّ ليس بحجة. وممن ذهب إلى ذلك الشوكاني. قال: "الحق أن الهمّ ليس من أقسام السنة" قال: "لأنه مجرّد خطور شيء على البال من دون تنجيز له. وليس ذلك مما آتانا الرسول، ولا مما أمر الله سبحانه بالتأسيّ به فيه" (٤)


(١) فتح الباري ١١/ ٣٢٨
(٢) البحر المحيط ٢/ ٢٥٩ ب.
(٣) الذي ذكره الزركشي معنى ما قال الشافعي، ونحن نقلنا النص من (الأم) للشافعي ١/ ٢٥١
(٤) إرشاد الفحول ص ٤١

<<  <  ج: ص:  >  >>