للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان ابن عمر: "يبيت بذي طُوَى بين الثنيتين، ثم يدخل من الثنية التي بأعلى مكة. وكان إذا قدم حاجّاً أو معتمراً لم ينخ ناقته إلاّ عند باب المسجد، وكان يذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - (كان) يفعل ذلك" (١).

وأحصى ابن عمر الأماكن التي صلّى فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - عند سفره لحجة الوداع من مكة إلى المدينة، وحدّد مواقعها بأوصاف دقيقة. وقد أورد البخاري حديثه في ذلك بتمامه، وهو حديث طريف طويل فليرجع إليه (٢).

[أثر اقتداء الأمة بأفعال نبيها في نشر دعوة الإسلام والاقتناع به]

لقد كان اقتداء الأمة الإسلامية بنبيها - صلى الله عليه وسلم - بعد عصر الصحابة، النابع من أحكام دينها، وتأثرها بشخصيته وأخلاقه الكريمة، دافعاً كبيراً لها إلى الاستقامة على أمر الدين على بصيرة من أمرها.

ولم تزل سيرة نبيها - صلى الله عليه وسلم - تمثِّل لها أنبل الصفات والأعمال والأخلاق. وتجسِّم المثل والمبادئ الإسلامية أمام أنظارها، فتعمل بدينها حق العمل، اقتداء بتلك السيرة العطرة.

ولم تزل تلك السيرة تبدع في الأمّة أجيالاً من البطولات. تحقق القدوة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - بدرجة عالية، حتى كأنهم نسخ أخرى لتلك الشخصية الفذّة، في صبرها وبلائها ويقينها بالله، وفي تواضعها وزهدها وصدقها مع الله، وفي معاملة الناس، مع الصدق في العلم بدين الله وإيصال منافعه إلى البشر.

وقد كان لتلك الشخصيات العظيمة الأثر البعيد في جذب الناس إلى الإسلام، واقتناعهم به، ورغبتهم في الدخول فيه والعمل به، ما لم تؤثره الخطب والمواعظ والأقوال البليغة. لأنهم يرون بأعينهم، ويلمسون بأيديهم، مدى الإخلاص والتفاني في حب الله، ومقدار النفع الحاصل بتلك الشموس المضيئة.


(١) رواه البخاري (الرصف ١/ ٥٨٦).
(٢) البخاري ١/ ٥٦٧

<<  <  ج: ص:  >  >>