للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المفعولين، ولا غير السبب الذي وقع من أجله. ومعلوم أن الفاعل لم يفعل ذلك الفعل إلا مرة واحدة، في زمان واحد، ومكان واحد، وبمفعول واحد، وعلى هيئة واحدة. وهكذا.

فالفعل إذْ يقع إنما يقع خاصاً بفاعله، وعلى الهيئة والحال التي وقع عليها. هذا بالنظر إلى الفعل في ذاته من حيث هو فعل.

ثم إن دلّ الدليل على أنه - صلى الله عليه وسلم - يبين بذلك الفعل مجملاً عامّاً لنا وله، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: لمّا صلى على المنبر "إنما فعلت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي" (١) وكقوله: "خذوا عني مناسككم" فإن فعله يكون عاماً بحسب عموم المبين، لأنه يكون حينئذٍ بمنزلة القول. وقال ابن الهمام: العموم هنا للمحل لا لنقل الفعل (٢).

وأما فيما سوى ذلك مما دل الدليل على تأسي الأمّة به - صلى الله عليه وسلم - كالفعل المجرّد، فإن القول بالعموم فيه لا يصحّ إلا على نوع من المسامحة. وأما في الحقيقة فإن العموم إنما هو في الأدلة الدالة على وجوب تأسيّ الأمة به - صلى الله عليه وسلم -، في الحالات المماثلة.

[الثاني: القول بالقياس]

لم نجد أحداً صرح بأن إلحاق غير النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنبي في حكم أفعاله هو قياس، ما عدا الآمدي. فإنه يرى أن معنى التأسّي الذي أمرنا به هو القياس عينه. فقد ذكر في (باب حجية القياس) حديث أم سلمة أنها سئلت عن قبلة الصائم، فسألته - صلى الله عليه وسلم -، فقال لها: "هل أخبرتِهِ أني أقبّل وأنا صائم؟ " ثم قال الآمدي: "إنما ذكر ذلك تنبيهاً لقياس غيره عليه" (٣). وذكر اعتراض من يعترض على ذلك بأن هذا يدل على أن فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - حجة متبعة، وليس بقياس. قال الآمدي: "أنه


(١) رواه البخاري ٢/ ٣٩٧ رواه مسلم ٥/ ٣٨
(٢) انظر تيسير التحرير ١/ ٢٤٨
(٣) الإحكام ٤/ ٤٤

<<  <  ج: ص:  >  >>