[المطلب الخامس هل كانت بعض الإشارات ممتنعة على النبي صلى الله عليه وسلم]
روى أبو داود:"لما كان يوم فتح مكة اختبأ عبد الله بن سعد بن أبي السرح عند عثمان بن عفان، فجاء حتى أوقفه على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، بايعْ عبد الله. فرفع رأسه، فنظر إليه ثلاثاً، كل ذلك يأبى، فبايَعه بعد ثلاث. ثم أقبل على أصحابه، فقال: "أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حين رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله؟ " فقالوا: ما ندري يا رسول الله ما في نفسك، ألا أومأت لنا بعينك. فقال: إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين"(١).
قال الخطابي:"خائنة الأعين": أن يضمر في قلبه غير ما يظهره للناس، فإذا كفَّ لسانه، وأومأ بعينه إلى ذلك، فقد خان، وقد كان ظهور تلك الخيانة من قبل عينه، فسمّيتْ خائنة الأعين. اهـ.
ورواية أبي داود مردودة لضعفها، انفرد بها إسماعيل بن عبد الرحمن السدّي، أخرج له مسلم وتكلم فيه غير واحد، كذا في عون المعبود. وقال الحافظ ابن حجر في التقريب: صدوق يهم، ورمي بالتشيّع. قلت: مثل هذا لا يقبل إذا انفرد، وخاصّة إنْ كانت روايته تؤيّد ما رمي به من البدعة، فإن روايته للحديث يؤيّد بها ما يذهب إليه من التشيّع، لأن فيها طعناً في عثمان، وفي ابن أبي سرح، وكلاهما ممن تكره الشيعة.
ولأن ما في الحديث مشكل، فكيف يحكم النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتل رجل جاء يبايعه، ولا بيعة له إلاّ وقد أسلم. فكيف يريد منهم قتل المسلم. ثم ما الذي كان يمنعه من التصريح بالأمر بقتله إن كان يريد قتله؟.
(١) ١٢/ ١٣ ورواه بمعناه أيضاً ٧/ ٣٤٥ ورواه النسائي ٤/ ١٠٦. وفي الفتح الكبير: روى ابن سعد، مرسلاً: الإيماء خيانة. ليس لنبي أن يومئ. وقال في الأحاديث الضعيفة (٢٢٦٦): ضعيف.