للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن ليس ذلك إشارة إلى الأنف، بل إلى الجبهة. وبهذا يكون القول الثالث أرجح الأقوال، ويكون السجود على الأنف مع الجبهة من باب الاحتياط أو الكمال، كما قال الشافعي في الأم، ليس إلاّ، والواجب الجبهة لا غير.

وليس معنى هذا أننا نقول بتقديم العبارة على الإشارة دائماً. بل الذي نقوله هنا ما سبق أن قلناه في تعارض الإشارة مع الكتابة، فحيث كانت الإشارة مفهومة معينة للمراد يقيناً دون إبهام، فإنها تقدّم، وإلا نُظِر في الترجيح بينهما في كل مقام بحسبه.

ويعرض الإلتباس للإشارة أحياناً بسبب بعد المشار إليه، فإنّ من شاهد العضو المشار به، كالإصبع، إذا كان المشار إليه بعيداً، يصعب عليه تقدير مسقط الإتجاه. فلو كان أمامه رجال ودوابّ وغيرها. وكانت بعيدة، فأشار بأصبعه، احتمل أن يكون كل شيء من الأشياء المقابلة مراداً، وحتى لو ضمّ إلى الإشارة لفظاً، كهذا، وعطف عليه مبيناً بلفظ آخر (كهذا الرجل) فإن الإبهام لا يزايل. أما لو سمّى رجلًا منهم باسمه العلَم فإنه يتعيّن، ما لم يكن الاسم مشتركاً. وكلّما كان المشار إليه أقرب كانت الإشارة أقوى في التعيين ويقل الاحتمال، فإذا تمّ قربه وسقط رأس الإصبع على المشار إليه فلمسه، تعيّن يقيناً، إلاّ لعارض كما في الإشارة إلى الجبهة في حديث أعضاء السجود، الآنف الذكر.

هذا ويرتّب النحاة (١) ألفاظ المعارف من حيث قوة التعيين هكذا: ضمير المتكلم، ثم المخاطب، ثم العلم، ثم ضمير الغائب السالم عن إبهام، ثم المشار به والمنادى، ثم الموصول والمعرَّف بأل. والمضاف بحسب المضاف إليه.

وهذا ترتيب غير تام الضبط.

وحتى لو قلنا به فإنه لا يصحّ إطلاق القول بأن الإشارة مقدمة على العبارة، لأن النحويين قدموا عليها بعض أنواع العبارة وهي الضمائر والأعلام وأخروا عنها المعرَّف بأل والمنادى.


(١) التصريح في شرح التوضيح ١/ ٩٥ ونقله عن ابن مالك في التسهيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>