للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثاني أقسام الترك والأحكام التي تدل عليها]

إن تروك النبي - صلى الله عليه وسلم - يمكن تقسيمها إلى أقسام موازية لأقسام أفعاله. والأقسام التي يظهر انقسام الترك إليها ما يلي:

الأول: الترك لداعي الجبلة البشرية (١). وهذا لا يدل في حقنا على تحريم ولا كراهة. ومثاله ترك النبي - صلى الله عليه وسلم - أكل لحم الضب. وقال: " إنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه".

وكان يترك الطعام إن لم يكن مما يشتهي. ففي الحديث: "ما عاب النبي - صلى الله عليه وسلم - طعاماً قط، إن اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه" (٢).

ويظهر أن من هذا النوع ما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - اغتسل من الجنابة فأتته ميمونة بخرقة، فلم يُرِدْها، وجعل ينفض الماء بيده. فتركه التنشيف ظاهر أنه لغرض جبلي، ولعله يتعلق برغبته في إطالة برهة ترطّب البدن، أو غير ذلك. وقال ابن دقيق العيد: "ردّ المنديل واقعة حال يتطرّق إليها الاحتمال، فيجوز أن يكون لا لكراهة التنشيف، بل لأمر يتعلق بالخرقة، أو غير ذلك" (٣). ولا حاجة لهذا التكلُّف بل الأولى حمله على الرغبة الجبلية، والله أعلم. ونقل ابن قدامة أن عبد الرحمن بن مهدي وجماعة من أهل العلم كرهوا التنشيف لهذا الحديث. ثم قال: "وترك النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يدل على الكراهة، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد يترك المباح كما يفعله" (٤).


(١) الشاطبي: الموافقات ٤/ ٦٠
(٢) البخاري ٩/ ٥٤٧
(٣) إحكام الأحكام ١/ ٩٦
(٤) المغني ١/ ١٤٢

<<  <  ج: ص:  >  >>