للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المطلب الثالث التعارض بين الكتابة وغيرها]

تعرّض لهذا البحث الزركشي في البحر المحيط، فنقل عن أبي منصور (السمعاني) أنه يقدم القول، ثم الفعل، ثم الإشارة، ثم الكتابة، ثم التنبيه على العلة (١).

فأما تقديم القول على الكتابة، فهو واضح.

وأما تقديم الفعل عليها فغير مسلم، وذلك أن الفعل يعتَوِره ما يضعف دلالته من الاحتمالات التي تقدم ذكرها في فصل حجيّة الأفعال من الباب الأول، كالخصوصية وغيرها، فكيف تقدم على الكتابة، والكتابة بمنزلة القول؟ ثم قد تُوجّه إلى المخاطب في شأن نفسه خاصّة. فكيف يقدِّم المكتوب إليه عليها ما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعله، أو سمع أنه فعله.

وإن كان المراد تقديم الفعل عليها في حقّ غير المكتوب إليه، فهو غير مسلم أيضاً، لأنها بمنزلة القول، والقول مقدم على الفعل.

وقد قدمنا أن خفاء فعليّة الكتابة ناشئ من كونها أعلى دلالة من الفعل، وذلك أيضاً يقتضي تقديمها عليه.

وأما تقديم الإشارة على الكتابة مطلقاً فهو غير مسلم، بلى ينبغي التفصيل في ذلك. فلو كتب اسم شخص، ثم عيّنه بالإشارة، وتعارضا، قدمت الإشارة، لاحتمال الكتابة الاشتراك والمجاز وغير ذلك. ولا تحتمل الإشارة هنا ذلك، لأنها تدل على المراد يقيناً.

ولو كانت الإشارة مبهمة كبعض الإشارة بالعين أو الرأس، وحتى باليد، لتوضيح بعض الهيئات المركبة أو الأمور المعنوية، فإن الكتابة في ذلك أدل، فينبغي تقديمها.

وقد تعرّض لذلك المتولّي في قضية طلاق الأخرس، فقال (٢) بعدم اعتبار


(١) البحر المحيط ٢/ ٢٦٠ أ.
(٢) السيوطي: الأشباه والنظائر ص ٣١٢

<<  <  ج: ص:  >  >>