للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما النكاح ففيه خلاف مرتّب، والمذهب منعه بسبب الشهادة، فلا اطّلاع للشهود على النيّة.

قال: وحيث جوّزنا انعقاد البيع ونحوه بالكتابة، فذلك في حال الغيبة، فأما عند الحضور فخلاف مرتّب، والأصح الانعقاد" (١). اهـ كلام السيوطي.

ويقول محمد سلام مدكور: "يجوز التعاقد بالكتابة، لأنها السبيل الثاني الذي يقطع في الدلالة على الإرادة، وسواء أكان المتعاقدان يقدران على التلفظ أم يعجزان معاً، أم يعجز أحدهما دون الآخر. وسواء أكانا في مجلس واحد، أم كان التعاقد بين حاضر وغائب، ما دامت الكتابة (واضحة، مفهومة، مستبينة). وقالوا (٢) إن العقود جميعها في ذلك سواء. ولم يستثنوا منها سوى الزواج. فلم يجيزوه بالكتابة عند التمكن من التلفّظ، لاشتراط الإشهاد والإشهار، والرغبة في الإشهار زيادة في الاحتياط لخطر ما يترتّب عليه من آثار قوية تتعلق بالأعراض والأنساب ولتحقيق العلانية".

ومن هنا يتبيّن ما قلنا من انحطاط درجة الكتابة عن درجة القول. وما ذاك إلاّ للعوامل المؤثرة، مما صرّحوا به، أو ألمحوا إليه، في تعليلاتهم، من عدم الاطلاع على النية، وأن الكاتب قد لا ينوي ما تدل عليه العبارات التي يكتبها، بل ينوي تجويد الخطّ، أو تجربة القلم، أو يعبث بالأشكال الحرفيّة، أو لغير ذلك من المقاصد. ومن صحح الكتابة للغائب دون الحاضر، فإنه لاحظ الحاجة.

وكذلك المحدثون، تقل ثقتهم بالمكتوبات عن ثقتهم بالمحفوظات، وكان الذي يعتمد على كتابه يسمى صحفياً، وذلك عندهم وصف ذمّ. وهذا حين كان فنّ الكتابة بدائياً، خالياً من النقط والشكل. فمن أخذ من الكتاب وحده لم يؤمن عليه التحريف والتصحيف. هذا بالإضافة إلى إمكانية حصول العبث بالكتاب في غفلة عن صاحبه.


(١) المدخل للفقه الإسلامي ص ٥٣٦
(٢) يعني فقهاء الحنفية.

<<  <  ج: ص:  >  >>