للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والوجه ما تقدم من أن حقيقة الكتابة التخطيط.

ونرى أن من عبّر عن الكتابة بأنها قول، فإنه قد تجوّز به عنها، لمّا كانت دالّة عليه. وقد صرّح بعض اللغويين بأن إطلاق القول على الكتابة مجاز، منهم الشيخ خالد الأزهري في شرح التوضيح (١) ومن التجوّز به عنها ما ننسبه إلى كثير من المصنفين في كتبهم من الأقوال في مختلف الفنون، فإنهم كتبوه كتابة ولم يلفظوه قولاً.

[البيان بالكتابة]

إن مميّزات الكتابة السابق ذكرها، جعلتْها أداةً من أدوات البيان ذات قيمة فريدة. وقد كان القول الوسيلة الرئيسيّة للنبي - صلى الله عليه وسلم - في البيان، ولكن الكتابة كانت وسيلة أخرى استُعمِلت حيث دعت الحاجة.

فالكتابات تستفاد منها السنن كما تستفاد من الأقوال.

وعلى القول بأن الكتابة فعل من الأفعال، فإن الأفعال قد وقع الخلاف فيها أيجوز البيان بها من قبل الشارع أم لا؟ ولكن ذلك الخلاف لا يترقّى حتى يشمل الكتابة. فإن الكتابة أدلّ من سائر الأفعال. ويقول الزركشي: "هل يجري الخلاف الفعلي في الكتابة والإشارة؟ يحتمل أن يقال به؛ والظاهر المنع. وقد قطع ابن السمعاني بالبيان بالكتابة والإشارة، مع حكايته الخلاف في الفعل. وقال صاحب الواضح: لا أعلم خلافاً في (أن) الإشارة والكتابة يقع بهما البيان" (٢). وصرّح بذلك الشوكاني أيضاً، وقال إنه: "لا خلاف في أن ذلك من السنة، ومما تقوم به الحجة" (٣).

وقد استخدم النبي - صلى الله عليه وسلم - الكتابة في بيان الأحكام وتبليغ الدعوة في مناسبات كثيرة جداً، فمما وقع من بيان الأحكام بها كتابته - صلى الله عليه وسلم - أحكام الزكاة، فقد كتب ذلك قبل وفاته في كتاب أخرجه أبو بكر وأمر به عمّال الصدقات. وحديثه عند


(١) التصريح شرح التوضيح ١/ ٢١
(٢) البحر المحيط ٢/ ١٨١ ب.
(٣) إرشاد الفحول ص ٤٢

<<  <  ج: ص:  >  >>