للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأول أولى، كما هو معلوم بالوجدان.

وأيضاً نحن نجد في الكتاب والسنّة إشارات إلى أن الكفّ فعل، منها قوله تعالى: {لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون} (١) فسمّى الله تعالى ترك العُبّاد والعلماء للنهي عن المنكر صنعاً، والصنع فعل. ومنها قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عُرِضت عليّ أعمال أمتي حسنها وسيئها فوجدتُ في محاسن أعمالها إماطة الأذى عن الطريق، ووجدت في مساوئ أعمالها النخامة تكون في المسجد لا تدفن" (٢). فجعل ترك دفنها ممن يراها عملاً سيئاً.

ومن أجل ما في فعليّة الكفّ من الخفاء، ولأجل التباسه بالترك العدميّ، أخرجناه من حيّز الأفعال الصريحة.

وقد نعبّر فيما يأتي من هذه الرسالة عن الكفّ والإمساك بـ (الترك) وحيثما عبّرنا به فإنما نعني به الكف خاصة دون الترك غير المقصود، إذ قد تبيّن أن الترك غير المقصود خارج عن الفعلية أصلاً.

[تقسيمنا لمباحث الترك]

الترك إما عدميّ: وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أغفل الحكم في أمور لم تعرض له ولم تحدث في زمانه، فترك فعلها، وترك القول في شأنها، لعدم المقتضى لذلك القول والفعل. ويذكره الأصوليون في أبواب مختلفة، كباب القياس، والمصلحة المرسلة، وغير ذلك. ويتعرّض له الكاتبون في البدعة.

وأما نحن فسوف نغفل الكلام فيه، لأنه خارج عن نطاق بحثنا، إذ بحثنا خاص بالأفعال النبويّة، وهذا النوع ليس فعلاً أصلاً.

وإما وجوديّ: وهو الكفّ، وهو أن يقع الشيء، ويوجد المقتضي للفعل أو القول، فيترك الفعل والقول، ويمتنع عنهما.


(١) سورة المائدة: آية ٦٣
(٢) مسلم (جامع الأصول ١/ ٣٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>