هذا النوع. وهو واضح من ذكرهم لنظائره في مواضع أخرى. ووجهه أن الصحابيّ قد رأى قرائن الحال، وربما سمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - ألفاظاً تدل على اعتبار الظرف لم ينقلها إلينا. وهو عدل، فيقتضي أن الأمر كما قال. وخاصة إذا احتج به، أو أمر به.
ومع ذلك فهذه أمارة ضعيفة. ووجه ضعفها احتمال أن مراده بنقل الزمان أو المكان مجرد الإخبار، دون الاحتجاج. ولو وضح أنه يريد الاحتجاج، فذلك رأيه، وليس قوله حجة. وكونه رأى قرائن تدل على ذلك ليس إلا مجرد احتمال.
ثم إذا انضمت هذه الأمارة إلى التكرار قويت الدلالة على ذلك، ومثاله حديث جابر: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي الظهر بالهاجرة، والعصر والشمس نقية، والمغرب إذا وجبت ... والصبح كان يصليها بغلس" (١). يدل ذلك على أفضلية إيقاع الصلاة في هذه الأوقات.
ومثاله أيضاً حديث ابن عمر: "أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يأتي مسجد قباء كلَّ سبت فيصلي فيه ركعتين" (٢). وقد أيّد مشروعيته قوله تعالى: {لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحقُّ أن تقوم فيه} على القول بأن المراد بالمسجد في الآية مسجد قباء.
[ما يعتبر من زمان الفعل النبوي ومكانه]
أما ما دل دليل خاص على اعتباره في التأسّي من الزمان أو المكان، فإنه يعتبر، اتفاقاً.
وما دل الدليل الخاص على إلغاء التأسّي فيه، فهو ملغى اتفاقاً.
وما لم يدل دليل خاص على اعتباره ولا على إلغائه فقد اختلف فيه على مذاهب:
المذهب الأول: أن الأصل عدم اعتبار الزمان ولا المكان. وهذا مذهب
(١) حديث جابر: متفق عليه.
(٢) البخاري ٣/ ٦٩