للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القاضي عبد الجبار الهمداني المعتزلي (١)، وتلميذه أبي الحسن، وابن الهمام الحنفي (٢) والقاضي الباقلاني، والغزالي (٣) والآمدي (٤).

استدل عبد الجبار بأن اعتبارهما يؤدي إلى نقض التأسي وإبطاله، لأنه يقتضي أن المتأسي لا بد أن يفعل الفعل في الوقت نفسه الذي فعل فيه المتأسي به، وقد فات، فيؤدي إلى أن التأسي مستحيل.

وكذلك في المكان، إذ من المستحيل جمع الناس في مكان واحد، هو المكان الذي حصل فيه الفعل المتأسَّى به. فيؤدي ذلك إلى نقض التأسي وإبطاله وقد قال أبو الحسين (٥) في إبطال هذا الاستدلال: "هذا إنما يمنع من اعتبار زمان معين، ولا يمنع من اعتبار مثل الزمان كما في صلاة الجمعة، ولا يمنع من اعتبار ذلك المكان في زمان آخر، ولا يمنع من اعتباره إذا كان المكان مستعاً كعرفة".

واحتج عبد الجبار بأن الواجب الاقتصار في صفات الفعل ومتعلقاته على أقل قدر، لأننا لو اعتبرنا الأكثر من الصفات لكان في ذلك التضييق الذي لا يقف عند حد، حتى يؤدي إلى امتناع التأسي، كما تقدم.

يقول عبد الجبار: "يلزم على ذلك أن يعتبر محل الفعل كما اعتبر المكان والوقت. وأن تعتبر الآلة. وأن تعتبر أعيان الأشخاص، حتى إذا أخذ - صلى الله عليه وسلم - الزكاة من العربيّ يعتبر النسب في ذلك وسائر الصفات. وهذا باطل. فلا بد إذن من اعتبار الأقل في ما يمكن معه التأسي، وإنما يقال بما زاد عليه لأجل الدليل الذي يقتضيه".

المذهب الثاني: أن الأصل اعتبار الزمان والمكان كليهما في التأسي. وإلى هذا ذهب أبو عبد الله البصري (*) كما نقله عنه أبو الحسن في المكان خاصة وسكت


(١) المغني ١٧/ ٢٦٩
(٢) التحرير، وعليه التقرير والتحبير ٢/ ٣٠٣
(٣) أبو شامة: المحقق ق ٣٩ أ
(٤) الإحكام ١/ ٢٤٥
(٥) المعتمد ١/ ٣٧٢
(*) أبو عبد الله البصري هو الحسين بن علي. أخذ عن ابن خلاد وعن أبي هاشم الجبائي وأبي الحسن الكرخي. له ترجمة في (المنية والأمل) لابن المرتضى اليماني ص ٦٢

<<  <  ج: ص:  >  >>