[المبحث الأول الطريق العملي لاستفادة الحكم من الفعل]
تعرّض الغزالي لهذه المسألة في المستصفى (١)، فرأى أن المجتهد إذا نقل إليه فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا يجب عليه البحث إلاّ عن أمر واحد، هو أنه:"هل ورد الفعل بياناً لخطاب عام، أو تنفيذاً لحكم لازم عام، فيجب علينا اتباعه، أو ليس كذلك فيكون قاصراً عليه - صلى الله عليه وسلم -. أما إن لم يقم دليل على كونه كذلك، فالبحث عن كونه ندباً في حقه - صلى الله عليه وسلم - أو واجباً، أو مباحاً، أو محظوراً، لا يجب، بل هو زيادة درجة وفضل في العلم يستحب للعالم أن يعرفه".
وهذا القول من الغزالي رحمه الله مبنيّ على مذهبه في الفعل المجرّد، أنه لا يدلّ على شيء في حقنا، إذ إن مذهبه التوقف في الفعل المجرّد كما تقدم. وهو لازم لمن قال بذلك القول كالباقلاني والرازي، وغيرهم. وهو أيضاً لازم لكل من منع التأسيّ به - صلى الله عليه وسلم - في أفعاله المجردة من أصحاب قول التحريم، وقول الإباحة على الوجه الذي ذكرناه في موضعه.
وأما أبو شامة فلما كان مذهبه أن الفعل المجرّد يدلّ على الندب، بقطع النظر عن صفة صدوره عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنه نقَل قول الغزالي المتقدم، ثم قال:"على ما اخترناه يبحث (المجتهد) بعدما تحقق أن الفعل ليس ببيان، عن أن فيه قربة أو لا، فإن كان فيه قربة قضى بأنه مندوب للأمة، وإلاّ فهو مباح". يعني على التفصيل الذي ذكره في المباح، من أنه يستحب لنا من وجه.