للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن دلّ الدليل على اختصاصه - صلى الله عليه وسلم - بمقتضى القول، فهي الحالة الثانية. فإن خالف الفعل مثل هذا النوع من القول، فلا تعارض في حق الأمة. وأما في حقه - صلى الله عليه وسلم - فالمتأخر من القول أو الفعل ناسخ للمتقدم.

الحالة الثالثة: أن يكون القول خاصاً بالأمة. مثل: "افعلوا أو اتركوا كذا، أو وجب أو حرم عليكم كذا". فإذا صدر مثل ذلك منه - صلى الله عليه وسلم -، وثبت أنه خالفه فقد قيل بعدم التعارض بين القول والفعل في حقه - صلى الله عليه وسلم -. وقد وجّهه القائلون به بأنه لما لم يكن القول شاملاً له، فإنه لم يتوارد الدليلان عليه، بل ورد عليه أحدهما وهو الفعل.

وهذا القول مبنيٌّ على قاعدة يذكرها الأصوليون في باب العموم حيث يرى بعضهم أن المتكلم لا يدخل في عموم متعلّق خطابه. ويرى الأكثرون دخوله، وهو الصواب، ما لم يكن دلّ على أن حكمه في ذلك ليس كحكمهم.

فالحاصل فيما ورد من مثل: "افعلوا واتركوا وآمُرُكم وأنهاكم" أنه - صلى الله عليه وسلم - ينبغي أن يكون داخلاً في ذلك، فتكون من الحالة الأولى أيضاً، إلا حيث يدل على خروجه عن العموم دليل خاص. فإن دلّ على خروجه عن ذلك دليل فهي الحالة الثالثة. وحينئذ إن فعل هو خلاف ما أمرهم به فلا تعارض في حقه - صلى الله عليه وسلم -. وأما في حق الأمة فيحتمل التعارض. وسيأتي بيانه إن شاء الله.

[تكرر مقتضى القول]

هل يشترط لحصول التعارض بين القول والفعل قيام الدليل على تكرر مقتضى القول؟ ذكر أبو الحسين البصري والغزالي ما يدل على اشتراط ذلك (١). ويفهم من كلام السبكي في جمع الجوامع أن ذلك شرط. وقد وجّهه الشربيني (٢) بأن القول له مدلول لغويٌّ وضع له، فعند إطلاقه يدل عليه، وهو الماهيّة المتحققة


(١) المعتمد ١/ ٣٨٦ المستصفى ٢/ ٥٣
(٢) تقريره على شرح جمع الجوامع ٢/ ٩٩

<<  <  ج: ص:  >  >>