للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تكييف الصحابي للفعل النبوي]

تقدم أن الفعل النبوي جزئي واقع في الخارج، لا عموم له، وليس له صيغة لفظية، وإن كان لا بدّ للراوي من صيغة يعبّر بها عن ذلك الفعل.

وإن الصحابة إذ يعبّرون عن تلك الأفعال بذلك، إنما (يصنّفون) تلك الأفعال، بضمّهم الفعل إلى مجموعة الجزئيات التي ينتمي إليها هذا (العنصر) الجديد، وهو الفعل الحادث الذي يخبرون عنه، واللفظ الذي يختاره الصحابي للتعبير عن تلك المجموعة له أثره عند الفقهاء في تبنّي الحكم الشرعي الذي يستنبط من الفعل.

وكمثال على ذلك نشير إلى الخلاف الذي نشأ من قول أبي هريرة: "إن رجلاً أفطر في رمضان، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالكفارة". فإن استعماله هذه الصيغة (أفطر) دعت بعض الفقهاء، كالمالكية، إلى أن يقولوا: كل فطر في رمضان يوجب كفارة. وغيرهم، كالشافعية، أبوا ذلك، وقالوا: من المعلوم أن ذلك الرجل لم يفطر بكل أنواع المفطرات، وإنما بمفطر واحد، هو الجماع، كما بينّ في بعض الروايات الأخرى. فيكون هو السبب الموجب للكفارة، لا غيره (١).

فهذا مثال يدلّ على المقصود، وإن لم يكن المعبّر عنه بـ (أفطر) من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وواضح أن الطريقة التي سلكها الشافعية في هذا المثال هي الطريقة الصحيحة لأن الفعل لا عموم له.

ومثال آخر: قال ابن عباس: إن رفع الصوت (بالذكر) حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته" (٢). وهذا يقتضي رفع الصوت بعد الصلاة بكل ذكر ولكن الرواية الأخرى للحديث تخصّ رفع الصوت بالتكبير. يقول فيها: "كنت أعرف انقضاء صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتكبير" (٣).


(١) انظر: الزركشي: البحر المحيط ٢/ ٤ أ.
(٢) البخاري ٢/ ٣٢٥ وأبو داود.
(٣) رواه البخاري ٢/ ٣٢٥

<<  <  ج: ص:  >  >>