للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي ما ذكرناه من هذا القول المجمل كفاية، ولا حاجة إلى ذكر الصور التفصيلية.

ونزيد المسألة بذكر عدة أمثلة تعين على توضيح المقصود. وبالله التوفيق.

[أمثلة على اختلاف القول والتقرير]

المثال الأول (١): حديث جابر أنه - صلى الله عليه وسلم - قال في الإمام: "إن صلّى قاعداً فصلّوا قعوداً أجمعون" (٢)

ثم ثبت أنه صلّى في مرض موته بأصحابه جالساً وهم قيام.

فهذا التقرير متأخّر. والقول وإن كان أمراً يُظَنُّ إمكان حمله على الاستحباب كما فعل ابن حزم (٣) في هذا المثال، لكن لما كان في شأن متابعة الإمام، فمتابعته واجبة، كما هو ظاهر من سياق الحديث بتمامه. وكون الأمر معلقاً بالشرط يبين أنه للتكرار. واجتماع هذه الأمور يعين النسخ.

وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:

الأول: أن يقدم القول. فيمتنع القيام خلف الإمام الجالس للضرورة، إذا كان المأموم قادراً.

وإليه ذهب الحنابلة، وابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان من الشافعية، قالوا: وهذا إن ابتدأ الإمام الصلاة قاعداً، فإن ابتدأها قائماً ثم عرض له العذر فجلس، استمروا قياماً، أخذاً من ابتداء أبي بكر الصلاة قائما ثم جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فصلّى بهم جالساً.

وهذا نوع من الجمع بين القول والتقرير بحمل كل من الحديثين على حالة خاصة.


(١) راجع لمذاهب الفقهاء في هذه المسألة: فتح الباري ٢/ ١٧٥. ابن دقيق العيد: شرح العمدة ١/ ١٩٦ ابن قدامة: المغني ٢/ ٢٢٢
(٢) رواه البخاري ومسلم ٤/ ١٣٣
(٣) الإحكام في أصول الأحكام ١/ ٤٨٤

<<  <  ج: ص:  >  >>