للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلم يمتثلوا، حتى اشتدّ حزن النبي - صلى الله عليه وسلم - لذلك، فلما أشارت عليه أم سلمة بأن يحلق دون أن يكلمهم، فحلق، سارعوا إلى الامتثال (١).

وثالثاً: أن القول يؤكد بالفعل، والتأكيد أقوى من المؤكَّد. وقد كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يؤكد قوله بفعله، كفسخ الحج، والطهارات.

ولكن هذا الدليل لا يثبت، إذ ليس من المسلّم أن التوكيد لا يكون إلّا أقوى من المؤكَّد، بل قد يؤكّد الشيء بأضعف منه، إذ الحاصل بالاجتماع أقوى مما يحصل بالانفراد، وذلك هو المطلوب بالتأكيد. وسيأتي لهذا المعنى مزيد بيان في ما يأتي من هذا الفصل.

ورابعاً: أن القول يدخله احتمال المجاز والنقل، وغير ذلك. والفعل يخلو عنها (٢).

[المذهب الثالث: القول بالتفصيل]

الشاطبي في الموافقات (٣) نحا منحى آخر غير ما تقدم، فهو يرى أنه لا يصح إطلاق القول بالترجيح بين البيانين. وقسّم المسألة قسمين:

القسم الأول: يستوي فيه البيانان وذلك أن يكون المأمور به فعلاً بسيطاً، أو وجد له نظير في المعتاد ولو كان مركباً، لكونه معلوماً، فينصرف إليه اللفظ.

فالأول: كمسألة الغسل من التقاء الختانين مثلاً، فإنه لبسطاته وقلة


(١) أشار إلى هذا الدليل السرخسي الحنفي، انظر أصوله؛ ٢/ ٢٧
(٢) لعل هذه الوجوه تفسر لنا لم كانت بعض الأحكام تبين بالفعل مع طوله، ويترك القول مع إيجازه وقصره، ومن ذلك أن الله تعالى اختار أن يبين مواقيت الصلاة فعلاً، فأرسل جبريل فأم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصلوات الخمس في يومين متواليين، صلى في الأول في أول الوقت، وفي الثاني في آخر الوقت. وسأل سائل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مواقيت الصلاة، فقال له: صل معنا، فصلى معهم يومين، صلى فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - وسلم الصلوات في اليوم الأول أول وقتها وفي اليوم الثاني آخر وقتها، ثم قال: الوقت ما بين هذين.
فقد استغرق البيان لهذه المسألة يومين كاملين.
(٣) الصفحات ٣/ ٣١١ - ٣١٥

<<  <  ج: ص:  >  >>