ومعناه أن ما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - واجباً فإنه يدل على وجوب مثله علينا، وما فعله ندباً فمثله مندوب منا، وما فعله على سبيل الإباحة فهو لنا مباح. وسواء كان فِعْله عبادة أو غير عبادة.
وقد يعبّر بعض الأصوليين، كما ذكر الأسنوي (١). عن هذا القول بعنوان:(وجوب التأسّي). ولكنه عنوان يجعل هذا القول يلتبس بقول الوجوب الذي سبق ذكره. وأمّا عنوان (المساواة) الذي اخترناه، فهو عنوان معبِّر لا يحصل به التباس.
ثم إن كان حكم الفعل بالنسبة إليه - صلى الله عليه وسلم - معلوماً فالمساواة فيه واضحة، وإن لم يكن معلوماً فإن المساواة فيه هي بحسب ما يترجح لدى المجتهد. فمن رجّح الوجوب في حقه - صلى الله عليه وسلم -، فبمقتضى قول المساواة يكون الحكم في حقنا الوجوب، ومن رجح الندب فالندب، ومن رجح الإباحة فالإباحة.
ونحن قد رجّحنا قول من حمل فعله المجهول الصفة على الندب في حقه - صلى الله عليه وسلم - إن ظهر قصد القربة، وعلى الإباحة إن لم يظهر. فعلى قول المساواة يكون الحكم في حقنا كذلك.
ويستدل لهذا القول بالأدلة التي سقناها في الفصل الذي دللنا فيه على حجية الأفعال النبوية من حيث الجملة، حيث سقنا الآيات والأحاديث الدالة على ذلك. وذكرنا أن الإجماع يدل عليه أيضاً، فبذلك يثبت أصل التأسّي.