ووجه الوقف فيما ظهر فيه قصد القربة، احتمال أنه - صلى الله عليه وسلم - فعله وجوباً، أو فعله ندباً. وعدم الدليل على كونه فعله وجوباً، لا يدل على عدم كونه كذلك، فلا يتعين الندب.
وأما ما لم يظهر فيه قصد القربة، فلاحتمال أنه - صلى الله عليه وسلم - فعله وجوباً أو ندباً أو إباحة. وعدم الدليل على كونه فعله وجوباً أو ندباً لا يدل على عدم كونه كذلك، فلا تتعيّن الإباحة.
وممن قال بهذا: الفخر الرازيّ، والغزالي.
فالتوقف في ما ظهر فيه قصد القربة بين الوجوب والندب.
والتوقف في ما لم يظهر فيه ذلك القصد، بين الأحكام الثلاثة.
وقيل: الوقف بين الثلاثة، على كل حال (١).
[القول المختار في محمل الفعل المجهول الصفة]
الذي نختاره إن ما ظهر فيه قصد القربة يحمل على الندب في حقه - صلى الله عليه وسلم - وما لم يظهر فيه ذلك يحمل على الإباحة.
أما ما احتجوا به لقول الوجوب، من أنه أحوط، فنترك الرد عليه إلى موضعه الأليق به في المبحث الرابع من هذا الفصل.
وأما الاحتجاج بأن فعل الواجب أعظم أجراً، وأن ذلك أليق بحاله - صلى الله عليه وسلم -، فهو مردود بما هو معلوم الوقوع من أن أفعاله المندوبة في العبادات أكثر من أفعاله الواجبة، ومثال ذلك الصيام، فكان - صلى الله عليه وسلم - يصوم الاثنين والخميس، وثلاثاً من كل شهر، ويصوم من رجب وشعبان والحرم وغير ذلك، وكان لا يلتزم بذلك. وهذا يدل على عدم وجوبه، وأن أكثر أفعاله فيما عدا العبادات على الإباحة.
وأما ما احتجّ به الواقفون، فهو حقّ، لأن انتفاء دليل الوجوب في ما ظهر فيه قصد القربة، لا يمنع أنه - صلى الله عليه وسلم - فعلها في الواقع وحقيقة الأمر على سبيل الوجوب. فلذلك لا يتعيّن الندب.