للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قصد القربة، فهو لا بدّ أن يكون لقربة. وأقل ما يتقرّب به المندوب، ولا دليل يدل على زيادة على الندب، فوجب القول به.

وهذا أيضاً توجيه آخر ضعيف، لأن قوله: "لا بدّ أن يكون لقربة" مردود فالنبي - صلى الله عليه وسلم - واحد من البشر، يفعل كغيره من الناس، ما أباح الله له. وليس فعل المباح عبثاً فيلزم تنزيهه عنه، بل قد يفعل لجلب نفع أو دفع ضرر.

القول الثالث: أنه للإباحة وهو ضعيف بالنسبة إلى ما ظهر فيه قصد القربة. ولكن هو أصح الأقوال فيما لم يظهر فيه ذلك القصد، وادّعى بعض الحنفية الإجماع عليه (١). ووجهه أن الفعل المجرد لا يفهم منه أكثر من رفع الحرج، تُرِك ذلك في ما ظهر فيه قصد القربة، وبقي ما لا قربة فيه خالياً من دليل يدل على أكثر من الإباحة، فيحمل عليها.

فإذا دار الفعل بين أن يكون مقصوداً به القربة أو لا يكون، فمن غلّب فيه قصد القربة استدل بالفعل على الاستحباب، ومن غلّب فيه عدم قصد القربة استدلّ به على الجواز.

ومثاله لبس النبي - صلى الله عليه وسلم - نعليه في الصلاة قال ابن دقيق العيد: "إنه يدل على الجواز، ولا بنبغي أن يؤخذ منه الاستحباب، لأن ذلك لا يدخل في المعنى المقصود من الصلاة إلّا أن دليل على إلحاقه بما يُتجمّل به للصلاة، فيرجع إليه" (٢).

أقول: قد صح فيه الحديث: "خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا في خفافهم" (٣). فكان قصد القربة فيه من وجه آخر غير التجمّل. والله أعلى وأعلم.

القول الرابع: التوقّف. ومعناه الامتناع عن حمل الفعل المجهول الصفة على حكم معيّن. فيمتنع المساواة فيه، بناء على ذلك.


(١) انظر تيسير التحرير ٣/ ١٢٢
(٢) الأحكام ١/ ٢٢٧
(٣) رواه أبو داود والحاكم والبيهقي (الفتح الكبير).

<<  <  ج: ص:  >  >>