للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحلف بالله؟ قال: إني سمعت عمر يحلف على ذلك فلم ينكره النبي - صلى الله عليه وسلم -" (١).

خامساً: واحتجّ الجصّاص (٢): "بأن ترك النكير من علماء الأمة على العامّة في ما جرى بينهم من المعاملات التي استفاضت بينهم، هو حجّة على جوازه، كما قاله بعضهم في الاستصناع، ودخول الحمال من غير تعيين أجرة" (٣).

وهذا الدليل إنما يلزم من قال إن الإجماع السكوتي حجة. أما من أبى ذلك فلا (٤).

[أدلة القول الثاني]

استدلّ أصحاب القول الثاني بأمور:

أولها: أن السكوت وعدم الإنكار محتمل، إذ من الجائز أنه - صلى الله عليه وسلم - سكت لعلمه بأن فاعل الفعل لم يبلغه التحريم، فلم يكن الفعل عليه إذ ذاك محرماً. فلأجل هذا الاحتمال لا يصح التقرير دليلاً على الجواز.

ويجاب عن ذلك بما ذكرناه آنفاً في الدليل الثاني للقول الأول.

ثانيها: أنه من الجائز أنه سكت عنه لأنه أنكر عليه مرة فلم ينفع فيه الإنكار، وعلم أن إنكاره عليه ثانياً لا يفيد، فلم يعاود، وأقرّه عليه، كما أقرّ اليهود والنصارى على معتقداتهم. وإذا كان كذلك، لا يصلح دليلاً على الجواز.

وهذا أقوى ما يحتجّ به لهذا القول.

ويجاب عنه، بأنه يجوز ترك الإنكار على المصرّ الذي لم تنفع فيه التذكرة، لقوله تعالى: {فذكر إن نفعت الذكرى} على أحد القولين في تفسير الآية (٥). ولما


(١) فتح الباري ٣/ ٣٢٣
(٢) أصول الجصاص ق ٨٢ أ.
(٣) انظر: الخلاف في ذلك في كتب الأصول (مثلاً: شرح جمع الجوامع للمحلي ٢/ ١٨٧ - ١٩٠).
(٤) انظر: شرح البزدوي ٣/ ٨٦٩
(٥) قال الشوكاني في فتح القدير (٥/ ٤١٢، ٤١٣): أن المعنى: فذكر إن نفعت الذكرى أو لم تنفع، أو يكون هذا في تكرير الدعوة.

<<  <  ج: ص:  >  >>