للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكن نقول: إنما نحمل القربة المجهولة الصّفة على الندب، لأنه لما ثبت لدينا وجوب التأسّي به - صلى الله عليه وسلم - (كما سيأتي)، وعلمناه قد فعل هذه القربة، فكان لا بدّ لنا من حملها على أحد الحكمين، لنتمكن من التأسّي. ولما كان حمل القربة على الوجوب في حقه يقتضي الوجوب في حقنا، والأصل براءة ذممنا من ذلك، حملناه على الندب، لأنه المتحقق بعد ثبوت الطلب (١).

وكذلك القول فيما فعله - صلى الله عليه وسلم -، مما لم يظهر فيه قصد القربة، يحمل على الإباحة لأنها المتيقنّة.

تنبيه: يتضح مما تقدم عرضه في هذا المبحث والذي قبله، أنه حيث قال أحد من العلماء في فعل من الأفعال النبوية المجردة إنه يدل على الوجوب في حقنا، فذلك القول له أحد مأخذين.

المأخذ الأول: أن يكون قائله ممن يرى أن الفعل المجرّد يدل على الوجوب في حقنا (القول الثالث) بقطع النظر عن حكمه بالنسبة إليه - صلى الله عليه وسلم -.

المأخذ الثاني: أن يكون قائله من أصحاب القول الأول وهو قول المساواة، مع كونه يعتقد في الفعل أنه صدر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - واجباً، إن كان معلوم الصفة أو يلحقه بالواجب إن كان مجهول الصفة.

ولا يتعين أحد هذين المأخذين بمجرّد نسبة القول بالوجوب إلى قائل معيّن، ما لم تقم قرينة تبيّن مقصوده.

وكذلك القول بالندب يدور بين مأخذين موازيين لمأخذي قول الوجوب.

ومثله أيضاً القول بالإباحة.

وأما قول الوقف فله في الفعل المعلوم الصفة مأخذ واحد، هو احتمال الخصوصية، وفي المجهول الصفة مأخذان: الأول احتمال الخصوصية والمعصية ونحوها. والآخر: عدم تعين الحكم في حقه - صلى الله عليه وسلم - على قول المساواة.


(١) انظر: إرشاد الفحول للشوكاني ص/ ٣٨

<<  <  ج: ص:  >  >>