٢ - أن يجعل فعله تخصيصاً لعموم قوله في حق الأمّة أيضاً، فيتبيّن بالفعل خروجه وخروج غيره، من حكم العام. ويكون ذلك إذا علم ارتباط فعله بالسبب، كما تقدم. فلا يتم التعارض. وفيه خلاف تقدم ذكره في مبحث التخصيص.
وسواء بالنظر إلى هذين الاحتمالين، أن يتأخر الفعل عن القول أو يتقدم عليه.
٣ - أن يُعْتَقَد المتأخر من القول أو الفعل ناسخاً للآخر، إن علم التاريخ. ويجيز الفقهاء هذا النوع من النسخ، ويتوقف فيه بعض الأصوليين. ويقدمون عليه الحمل على الخصوصية في حقه - صلى الله عليه وسلم -.
الحالة الثانية: أن يكون القول خاصاً به - صلى الله عليه وسلم -. بأن يقول: حرم عليّ كذا. ويثبت أنه فعله. أو: وجب عليَّ كذا، ثم يتركه.
وقد قيل في هذه الحال، إنه لما لم يكن القول متناولاً للأمة فليس ثمة إلاَّ احتمال واحد في حقه، هو النسخ بالمتأخر من القول أو الفعل. وفي حق الأمة لا تعارض، لعدم توارد الدليلين على موضع واحد.
تنبيه: إذا قال - صلى الله عليه وسلم -: حرم علي كذا، أو وجب علي كذا، فهذا وإن كان خاصاً به من حيث اللفظ، إلاّ أنه ينبغي القول أن أمته ملحقة به، لما ورد من الأدلة القاضية بذلك. وقد تقدم بيان هذا في موضع سابق. ولا يمتنع إلحاق به إلاّ بدليل. فإن جاء الدليل على اختصاصه به حكمنا به. ومثاله أنه واصَلَ ونهاهم عن الوصال. فقالوا: إنك تواصل. فقال:"إني لست كهيئتكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني".
ومن أجل ذلك تكون هذه الحالة الثانية قاصرة على ما دلّ الدليل فيه على الاختصاص. أما ورود مجرّد قوله:"أُمِرْتُ، ونُهيتُ، وحَرُم عليّ، ووجَب عليّ"، ونحو ذلك، فلا يمنع القول بالعموم، بل يكون من الحالة الأولى، وهي ما كان القول فيها عاماً لنا وله. لأن قوله:"أُمِرْتُ ونُهيتُ" بمنزلة قوله: "أُمِرنا ونُهينا".