الثاني: الترك الذي قام دليل اختصاصه به - صلى الله عليه وسلم -. وهو تركه لما حرم عليه خاصة. كتركه أكل الصدقة. قال - صلى الله عليه وسلم -: " إنّا معشر آل محمد لا تحلّ لنا الصدقة".
ومثله ترك ما يشتبه أنه من الصدقة. ومنه أنه - صلى الله عليه وسلم - وجد تمرة ملقاة، فقال:"لولا أني أخشى أن تكون من تمر الصدقة لأكلتها".
ولا يجوز أن يحمل شيء من تروكه - صلى الله عليه وسلم - على الخصوصية لمجرّد الاحتمال. بل لا بدّ من دليل، كما تقدم نظيره في الأفعال.
وقد قال أبو شامة في الأفعال إنه يقتدي بالخصائص النبوية الواجبة، على سبيل الاستحباب.
فقياس قوله هنا انه ينبغي أن يستفاد لحقّنا كراهية ما خُصَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بتحريمه. فيكون أكل الصدقة، مثلاً، مكروهاً لنا.
الثالث: الترك بياناً أو امتثالاً لمجمل معلوم الحكم، عام لنا وله. فيستفاد حكم الترك من الدليل المبيّن والممتثَل. ومثاله تركه - صلى الله عليه وسلم - الإحلال من العمرة مع صحابته، وقال:"إني لبّدت رأسي وقلّدت هدي، فلا أحل حتى أنحر". وقال: لا يحل مني حرام حتى يبلغ الهدي مَحلّه" فقد امتثل النهي الذي في الآية، بترك التمتع، لما كان قد ساق الهدي. وتبيّن بذلك حكم من ساق الهدي. وتبيّن أيضاً أن المَحِلَّ الزمانيّ مراعىً.
والحكم هنا -أعني حكم الحلق- هو التحريم، لظاهر النهي في الآية.
ومن الترك الامتثالي تركه - صلى الله عليه وسلم - الصلاة على المنافقين (١) لما نزل قوله تعالى: {ولا تصلِّ على أحدٍ منهم مات أبداً}.
الرابع: الترك المجرّد، وهو الذي ليس من الأقسام السابقة. وهو نوعان:
الأول: ما علم حكمه في حقه بقوله - صلى الله عليه وسلم -، أو باستنباط.