للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأميّ} وجعل لذلك نصيباً في الحكم عليهم بقوله: {أولئك هم المفلحون} (١).

الدرجة الخامسة: أن الله تعالى جعل من شأن المؤمن الذي يرجو الله واليوم الآخر أنه يتأسّى برسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال الله تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر} (٢)، وسيأتي القول في دلالة هذه الآية إن شاء الله، في الفصل الرابع من هذا الباب.

أثّر ذلك كله في صحابته رضي الله عنهم حتى كانوا يراعون ما يفعل، وينظرون إليه كيف يفعل. ويتحينون الفرص لذلك لأجل أن يقتدوا به. فهذا زيد بن خالد يقول: "قلت لأرقبن الليلة صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فصلّى ركعتين خفيفتين، ثم صلّى ركعتين طويلتين طويلتين، ثم صلّى ركعتين، وهما دون اللتين قبلهما ... " (٣) الحديث.

وعن الفضل بن عباس قال: "بتّ ليلة عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنظر كيف يصلي من الليل ... " (٤) الحديث.

وكان أشدَّهم في هذه الناحية، وأدومهم عليها، وأحرصهم على التحري عن أفعاله - صلى الله عليه وسلم - حتى في أدقّ التفاصيل، عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. وقد حفظت لنا الوثائق الحديثية نماذج كثيرة من ذلك تكشف لنا عن دوافع نفسية عميقة التأثر، بل يكاد يكون هذا المعنى هو مفتاح فقه ابن عمر، والسمة الرئيسية لما ينقل عنه من الآراء التشريعية.

فمن ذلك أنه لما دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - الكعبة ثم خرج، يقول ابن عمر: "فلما فتحوا كنت أول من ولج، فلقيت بلالاً فسألته: هل صلّى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: نعيم، بين العمودين اليمانيين". قال ابن عمر: "فذهب عني أن أسأله: كم صلّى" (٥).


(١) سورة الأعراف: آية ١٥٧
(٢) سورة الأحزاب: آية ٢١
(٣) رواه مسلم (الرصف ١/ ٣٧٣).
(٤) رواه أبو داود (الرصف ١/ ٣٧٧).
(٥) رواه البخاري ومسلم (الرصف ١/ ٥٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>