للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدرجة الثانية: فإن كان لأحد الشخصين فضل على الآخر، ومزيد منصب ورياسةٍ كان تأثر المفضول والرؤوس بأفعال الفاضل والرئيس أظهر وأبين، حتى إنه كثيراً ما يقلده في هيئة لباسه، وعاداته في كلامه ومشيه وأكله وشربه ونحو ذلك. وقد تقدّم قول الشاطبي: "إن التأسّي في الأفعال والتروك، بالنسبة إلى من يعظّم في دين أو دنيا، كالمغروز في الجبلة، كما هو معلوم بالعيان". وإلى هذا المعنى يشير المثل القائل "الناس على دين ملوكهم" فهو يعبّر عن هذه الطبيعة البشرية تعبيراً صادقاً. وقد أشار ابن خلدون في المقدمة (ص ١٤٧) إلى تعليل ذلك، فليرجع إليه.

الدرجة الثالثة: فإن كان لدى المتأثر مودة للآخر ومحبة وألفة، كان التأثر أعظم. وكلما كانت المحبة أعظم كان التأثر أعظم وأتمّ، حيث إن المحبة تدعو إلى الاتفاق بفعل ما يفعل المحبوب، ومحبة ما يحبه. وقد فصّل القول في ذلك المتكلمون في المحبة (١).

وقد نهى الله تعالى عن تزويج المشركين والتزوّج إليهم، وعلّل ذلك بقوله: {أولئك يدعون إلى النار واللُه يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه} (٢) وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل" (٣).

وهذه الدرجات الثلاث موجودة في المؤمن بالنسبة إلى نبيه - صلى الله عليه وسلم - وكانت في الصحابة رضي الله عنهم على أتمّ ما يكون، لكثرة مخالطتهم له، ورؤيتهم فضله عليهم بالفضائل التي حلاّه الله بها، ومنصب النبوة والإمامة الَّذَيْنَ أكرمه الله بهما، والمحبة العظيمة التي خالطت قلوبهم بما شاهدوه من رعاية الله له، وإكرام الله لهم بأن اختارهم لصحبته الكريمة، وللنقل عنه إلى العالمين.

وانضمّ إلى ذلك عندهم بالنسبة إليه - صلى الله عليه وسلم - درجتان أخريان، هما:

الدرجة الرابعة: أن الله تعالى أثنى على {الذين يتبعون الرسول النبيّ


(١) راجع مثلاً: ابن القيم: روضة المحبين. ط دمشق، ص ٢٨٥ - ٢٨٧
(٢) سورة البقرة: آية ٢٢١
(٣) رواه الترمذي ٧/ ٤٩ وقال: حديث حسن صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>