للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونحن نقول وبالله التوفيق: إن الهمّ بالشيء أمر نفسي لا يظهر لنا إلاّ بإحدى طريقتين" إما أن يخبرنا به النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإما أن يقدم على الفعل فيحول بينه وبينه حائل فيتركه.

الطريق الأولى: أن يخبرنا به النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وحينئذٍ فلا يخلو من أحوال.

١ - إما أن يخبرنا به على سبيل الزجر عن عمل معين. فيدلّ على تحريم ذلك العلم أو كراهته، بدلالة القول، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام. ثم آمر رجلاً فيؤمّ الناس، ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرّق عليهم بيوتهم بالنار" (١).

دلّ ذلك على وجوب حضورها، وتحريم التخلف عنها، وهي دلالة قولية، من حيث إنه بيّن بقوله ما يفيد أن ما فعلوه هو ذنب.

وكذلك حديث: "إنه - صلى الله عليه وسلم - رأى في بعض مغازيه امرأة مجخّاً على باب فسطاط. فقال: لعلّه يريد أن يلمّ بها؟ قالوا: نعم. قال: لقد هممت أن ألعنه لعناً يدخل معه قبره، كيف يستخدمه وهو لا يحلّ له، أم كيف يورثه وهو لا يحلّ له؟ ".

أما المختلف فيه فهو أن يدل الهمّ على مثل ما يدل عليه الفعل لو فعله. فهل يجوز تحريق المتخلفين، ولعن من أراد أن يفعل كفعل صاحب تلك المرأة؟ هذا موضع الإشكال. وهذا النوع يلتحق من هذه الجهة بالهم المجرّد الآتي ذكره.

٢ - وأما أن يخبرنا بهمّه مبيّناً لنا أنه ترك ما همّ به وعدل عنه لأنه تبيّن له أن الداعي له غير صحيح، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لقد هممت أن أنهى عن الغيلة، حتى ذكر لي أن فارس والروم يغيلون فلا يضر ذلك أولادهم" (٢).

والحكم في هذا النوع واضح.

٣ - وإما أن يخبرنا بأنه ترك الفعل اكتفاء بغيره من الدلالات. ولا شكّ في


(١) حديث أبي هريرة رواه البخاري ٢/ ١٥٢
(٢) الغيلة وطء المرضعة. والحديث رواه مسلم ومالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>