للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يرى ابن القيم أنه - صلى الله عليه وسلم - أقرّ ذلك منهم، لكونه جرياً على عادة الشعراء في مطالعِ قصائدهم مما يذكرونه لجلب انتباه السامعين واستثارة نشاطهم ليتوصل الشاعر إلى إلقاء ما يريده إليهم، وتحصيل الأثر النفسي المطلوب لديهم.

ولا يتمّ هذا القول، في شأن الخمر خاصة، ما لم يثبت أن قول حسان المذكور كان بعد نزول آية تحريم الخمر.

والثاني: ما كان قولاً في شؤون الدنيا، والأمور المغيبة عنه - صلى الله عليه وسلم -.

والتقرير عليه لا يدل على صدق الخبر وثبوت مدلوله. بل قد يَطّلع الله ورسوله على كذب ذلك القائل، كما أطلعه على كذب المنافقين في قولهم: {نشهد إنك لرسول الله} وقول كبيرهم: {لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل} وقد لا يطلعه عليه.

وهذا قول الآمدي وابن الحاجب وكثير من المتأخرين.

وقيل إن التقرير عليه يدل على صدقه لا محالة (١) وأنه لا بدّ أن يُطلع الله رسوله على كذب المخبِر، عصمةً له أن يقرّ أحداً على الكذب. وبه قال السبكي في جمع الجوامع.

والقول الأول أصح، لأن إدعاء العصمة عن هذا عريٌّ عن البرهان، إذ لا يستلزم نقصاً بعد أن أمر الله تعالى نبيه أن يعلنها صريحة {ولا أعلم الغيب} ولأنه قد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يقر على النبي ثم يتبين أنه مخالف للواقع، كإفطارهم في رمضان ثم طلعت الشمس.

وينبغي أن يحمل على هذا (٢) النوع إقراره - صلى الله عليه وسلم - عمر على حلفه عن ابن صياد إنه الدجّال، ثم تبيّن أنه ليس إياه.

وقد قال ابن دقيق العيد في (الإمام) (٣): "الأقرب عندي أن سكوته - صلى الله عليه وسلم - لا


(١) انظر السبكي: جمع الجوامع ٢/ ١٢٧ - ١٢٩
(٢) عبد الجليل عيسى: اجتهاد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ص ١٦٧
(٣) البحر المحيط للزركشي ٢/ ٢٥٨ أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>