للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر ابن حجر في تفسير هذا الحديث أقوالاً مختلفة، ثم قال: "قال القرطبي والصحيح في تأويله أن مقصوده أن رؤيته في كل حال ليست باطلة، ولا أضغاثاً، بل هي حق في نفسها. ولو رؤي على غير صورته، فتصوُّرُ تلك الصورة ليس من الشيطان، بل هو من قبل الله، وقال: هذا قول القاضي أبي بكر" (١). اهـ.

ثم قد قال ابن أبي جمرة: "قيل: معناه أن الشيطان لا يتصوّر بصورته أصلاً، فمن رآه في صورة حسنة، فذلك حسن في دين الرائي، وإن كان في جارحة من جوارحه شين أو نقص فذلك خلل في الرائي من جهة الدين. قال: وهذا هو الحق. فعلى قول القرطبي وابن أبي جمرة، كل رؤية له - صلى الله عليه وسلم - المنام فهي حق" (٢).

أما القرافي فقد قال: "إنما تصح رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - لأحد رجلين" (٣):

١ - صحابي رآه فعلم صفته، فانطبع في نفسه مثاله، فإذا رآه جزم بأنه رأى مثاله المعصوم من الشيطان، فينتفي عنه اللبس والشك في رؤيته - صلى الله عليه وسلم -.

٢ - ورجل تكرّر عليه بسماع صفاته - صلى الله عليه وسلم - المنقولة في الكتب حتى انطبعت في نفسه صفته - صلى الله عليه وسلم - ومثاله المعصوم. فإذا رآه جزم برؤية مثاله، كما يجزم به من رآه، فينتفي عنه اللبس والشك في رؤيته - صلى الله عليه وسلم -.

وأما غير هذين فلا يحصل له الجزم. بل يجوز أن يكون رآه بمثاله، ويحتمل أن يكون من تخييل الشيطان. ولا يفيد قول المرئي لمن رآه: أنا رسول الله، ولا قول من يحضر معه: هذا رسول الله. لأن الشيطان يكذب لنفسه ويكذب لغيره، فلا يحصل الجزم". اهـ.

وهذا التحقيق موافق لما روي عن ابن سيرين: "أنه كان إذا قصّ عليه رجل أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: صف لي الذي رأيته. فإن وصف له صفة لا يعرفها، قال له: لم تره" (٤).


(١) فتح الباري ١٢/ ٣٨٦
(٢) المصدر نفسه ١٢/ ٣٩١
(٣) الفروق ٤/ ٢٤٤
(٤) أصله عند البخاري تعليقاً ١٢/ ٣٨٣

<<  <  ج: ص:  >  >>