القول الثاني: ونسبه إلى ابن أبي هريرة: يقتدى به وإن زال معناه، نظراً إلى مطلق التأسيّ. لقوله تعالى:{واتبعوه}. ولما ورد في السنة من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في عمرة القضاء، وأصحابه، اضطبعوا بأرديتهم ورملوا في الطواف من الحجر الأسود إلى الركن اليماني، ومشوا من اليماني إلى الأسود، فعلوا ذلك ثلاث مرات، وبيّن - صلى الله عليه وسلم - الغرض من ذلك بقوله:"رحم الله أمرأ أراهم من نفسه اليوم قوة". وكان المشركون قد وقفوا في المسجد الحرام من جهة الحِجْر، وقد قالوا فيما بينهم: إنه يقدم عليكم قوم قد وهنتم حمّى يثرب. فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بذلك ليظهروا الجلَد والقوة والنشاط، إرغاماً للمشركين، وكسراً لحدة سخريتهم. ثم بعد ذلك فتحت مكة، وقضي على قوة الشرك، ففعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، هو وأصحابه في طواف القدوم ما فعلوه في عمرة القضية، مع زوال السبّب. فلم يكن هناك مشركون يقفون من جهة الحِجْر، ينظرون إلى المسلمين تلك النظرة. فدلّ ذلك على أن ما فعله لغرض فزال، أنه يستمرّ حكمه.
وقد يعترض على ذلك بأن يقال: لم تخل مكة عند حجة الوداع أيضاً، من قوم حاقدين من أهل مكة، يتربّصون بالمسلمين الدوائر، ولو لم يروا من المسلمين قوة وشوكة ترهبهم لانتفضوا عليهم. وبهذا يتبين أن السبب لم يزل في حجة الوداع.
فلأصحاب القول الثاني أن يجيبوا عن ذلك بجوابين:
الأول: أن ما ذكرتم، لو سلّم، يقتضي المحافظة على الاضطباع والرمل أما المشي من الركن اليماني إلى الأسود، فذلك لا يقتضيه، إذ كان بالإمكان أن يستمرّ الرمل الأشواط الثلاثة، أو أن تكون الاستراحة بالمشي في غير الموضع الذي مشوا فيه أولاً. فلما حافظوا على المشي في المكان عينه الذي مشوا فيه أولاً، ورملوا في المكان الذي رملوا فيه أولاً. دل ذلك على أن الفعل يستمر حكمه وإن زال سببه.
الثاني: إنه حتى بعد أن قوي الإسلام، وزالت العداوات والإحَن،