للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نعالنا. قال: "إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما أذىً. فإذا جاء أحدكم المسجد فلينظر في نعليه، فإن وجد فيهما أذىً أو قذراً فليمسحه، وليصلِّ فيهما". فلم يصرْ خلع النعال في الصلاة سنة بخلع النبي - صلى الله عليه وسلم - لنعليه، إلا أن يكون عند وجود الأذى فيهما. أما إذا زال ذلك المعنى فلا، كما يشير إليه الحديث.

فإن قيل: فما وجه استمرار الرمل والاضطباع سنة، حتى بعد أن انقضى السبب؟.

فالجواب: أن هذا نوع من الأفعال غير ما تقدم ذكره. وذلك أن الشرع دل على أنه يراد لهذا الفعل أن يكون صفة من صفات الطواف، مشروعة فيه.

وإيضاح ذلك، أن أفعال الحج مثلاً، كثير منها اتُّخذت فيه أفعال وأحوال متقدمة، من أيام إبرا هيم عليه الصلاة والسلام وأسرته، وقعت منهم، فاتُّخذت نموذجاً وضعت على مثاله أفعال الحج.

ولنعتبر ذلك بالسّعْيِ بين الصفا والمروة. فأصله سعي أم إسماعيل بينهما، لتطلب الماء لابنها الذي تركته يضغُو عند زمزم. فعلت ذلك سبعاً، وقد هرولت في المنخفَض الذي هو بطن الوادي. فوُضِع السعي على مثال ذلك، وجعل جزءاً من أجزاء الحج. يقول ابن عباس مشيراً إلى هذه القصة، كما روى عنه البخاري، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فذلك سعي الناس بينهما" (١).

وكذلك تضحية إبراهيم بالكبش اتخذت أساساً لمشروعية الهدي. وقد أمرنا باتخاذ مقامه مصلى.

وهذه الأفعال أبقيت في العبادات مستمرة دائمة، كما تبقى الأمم بعض الآثار الحسية المشاهدة، لتدلها على عظمة أسلافها السابقين، ولتكون ذكراها ماثلة أمام الأبناء، تثيرهم نحو التضحية والفداء، والاقتداء بسابقيهم من المعظّمين. فهذه آثار من الحجارة والطين، وتلك آثار من التفاني في طاعة الله.


(١) البخاري بشرحه فتح الباري ط الحلبي ٧/ ٢٠٩

<<  <  ج: ص:  >  >>