للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والظاهر عندي أن ما قصّه - صلى الله عليه وسلم - عن الأنبياء، راجع إلى مسألة شرائع الأنبياء هل هي شرع لنا أم لا؟ ويُعلم بحثها في موضعها من كتب الأصول. وقد رجح الأكثر أن ما قصّه الله تعالى منها في كتابه دون إنكار، مما لم يخالفه شرعنا. أنه حجّة، فكذلك ينبغي أن يكون ما قصّه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك حجة. وإنما حجّيته من كونه شريعة لنبيّ سابق، وقد أُمر محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يقتدي بهداهم.

أما ما كان في ضمن حديثه - صلى الله عليه وسلم - عن سائر الناس أنهم فعلوا كذا أو تركوا كذا فلا ينبغي أن يكون حجة على الجواز ما لم يقترن به دلالة على الرضا به من ثناء أو نحوه.

وبهذا يتبيّن أننا لا نرتضي توجيه ابن حجر للاحتجاج بقصة أيوب وموسى عليهما السلام، بل وجهه ما أشرنا إليه من كونه موافقاً لشريعتهما، وشريعتهما لنا شريعة. وأننا لا نرتضي الاستدلال المذكور على تخريق آذان البنات.

نوع آخر: مما يلتحق بما تقدم، استعماله - صلى الله عليه وسلم - بعض الألفاظ التي جرت عادة بعض الأقوام بإطلاقها من ألقاب أو تسميات. فمن ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - كتب: "من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم". فوصفه بأنه عظيمهم.

ومنها أنه قال في وصف الدجّال: "كأنه عبد العزّى بن قطن". فاستعمل هذا الاسم "عبد العزّى".

فليس ذلك إقراراً لكون هرقل عظيم الروم. ولا بأنه وصل إلى ذلك بطريق مشروع. ولا إقراراً بجواز التسمية بـ "عبد العزّى" ونحوه. ويقول عبد الكريم زيدان: "إطلاق هذه العبارة على رئيس الروم من قبيل بيان واقعه، وهو أنه عظيم في نظر الروم، لرئاسته عليهم، وليس بياناً لاستحقاقه هذا الوصف" (١). اهـ.

وقد قال ابن حجر في قوله: "عظيم الروم" عدول عن ذكره بالملك أو الإمْرَة لأنه معزول بحكم الإسلام. ومع ذلك لم يُخْلِه من شيء من الإكرام لمصلحة التألف.


(١) أصول الدعوة ص ٣٤٤

<<  <  ج: ص:  >  >>