للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنعه أبو الحسن البصري وأكثر المعتزلة، وأبو بكر الرازي الجصاص من الحنفية.

وكثير ممن أجاز ذلك قال إنه مع جوازه لم يقع.

وتردد الشافعي، فقيل إن تردّده في الجواز، وقيل في الوقوع (١).

وقد احتج المجيزون لذلك:

١ - بقوله تعالى: {كل الطعام كان حلاً لبني إسرائيل إلاّ ما حرّم إسرائيل على نفسه} (٢) أضاف التحريم إلى إسرائيل عليه السلام، فدلّ على أنه كان مفوضاً إليه، وإلاّ لكان قد فعل ما ليس له، ومنصب النبوة يأبى ذلك.

وقد نوقش هذا الدليل، باحتمال كون تحريمه لما حرمه عن قياس.

ويجاب بأنه لو كان عن قياس، للزم أن لا يكون ما حرّمه حلالاً قبل تحريمه له، بل يكون حراماً ظهرت حرمته بعد اجتهاده. وهو خلاف ظاهر الآية، فإنها نسبت التحريم إليه.

٢ - واحتجوا بما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال يوم فتح مكة: "إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلّط عليها رسوله والمؤمنين. وأنها لن [كذا] تحل لأحد كان قبلي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار، وإنها لن تحل لأحد بعدي، فلا يُنفّر صيدها، ولا يُخْتَلَى شوكها، ولا تحلّ ساقطتها إلاّ لمنشد ... " فقال العباس: "إلاّ الإذْخِر يا رسول الله، فإنا نجعله في قبورنا وبيوتنا". قال: "إلاّ الإذْخِر" (٣).


(١) قال الشافعي في الرسالة بعدما ذكر أن السنة قد تأتي بما ليس له أصل في القرآن "منهم من
قال: جعل الله له - صلى الله عليه وسلم - بما افترض من طاعته وسبق في علمه من توفيقه لرضاه، أن يسن فيما
ليس فيه نص كتاب" وهذا هو التفويض، ثم ذكر أنه قد قيل أيضاً: إنها صادرة عن
القرآن، أو بوحي خاص، أو بإلهام ثم قال الشافعي "وأي ذلك كان فقد بين الله أنه فرض
طاعة رسوله، ولم يجعل لأحد من خلقه عذراً" (الرسالة ص ٩١ - ١٠٣) فالتفويض عنده
أمر محتمل وجائز.
(٢) سورة آل عمران: آية ٩٣
(٣) مسلم ٨/ ١٢٩وهذا لفظه ورواه البخاري.

<<  <  ج: ص:  >  >>