للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما ما كلّف به - صلى الله عليه وسلم - من الأفعال فهل ينسى فيفعل ما نهى عنه، أو يترك ما أمر به سهواً عنه.

تقدم أن الإمامية من الشيعة، والرازي في بعض كتبه، وبعض من تابعهم وغلا في النبي - صلى الله عليه وسلم -، منع صدور النسيان عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

وقد احتجوا برفعة مقام الأنبياء، وأن النسيان ينقص من أقدارهم.

ويجاب عن ذلك بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يخرج عن طبيعته البشرية المقتضية لوقوع ذلك منه. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنما أنا بشر مثلكم -في رواية: أذكر كما تذكرون و- أنسى كما تنسون" (١).

وقد استثنى بعض الذاهبين إلى امتناع النسيان عليه - صلى الله عليه وسلم -، فأجازوا أن يسهو في أحوال خاصة، ليعلِّم أمّته كيف يصنعون إذا نسوا، كما سها في الصلاة، فعلمهم سجود السهو (٢). واحتجوا بحديث رواه مالك في موطئه (٣)، بلاغاً، وانفرد به، ونصّه: "إني لأنسى أو أُنَسّى لأسُنّ ". وقد قال بعض الذاهبين إلى ذلك: إنه - صلى الله عليه وسلم - كان يتعمد أن ينسى في الصلاة ليسنّ (٤). وذلك خطأ، فإن تعمد السلام من اثنتين في الظهر مثلاً يبطل الصلاة والبيان بالقول كاف، فلا ضرورة تُلْجئ إلى ذلك. هذا بالإضافة إلى عدم معقولية تعمُّد النسيان.

والقول الثاني: وهو الصواب إن شاء الله: جواز نسيان التكليف والسهو فيه. وبهذا قال الرازي في كتابه (عصمة الأنبياء)، والآمدي والغزالي والباقلاني وغيرهم، وهو قول جمهور العلماء، بل ادّعى بعضهم الإجماع عليه (٥).


(١) رواه أحمد وابن ماجه (الفتح الكبير) ورواه مسلم ٥/ ٦٦ والبخاري صلاة/ ٣١
(٢) الزركشي: البحر المحيط ٢/ ٢٤٦ ب.
(٣) البناني: حاشيته على شرح الجوامع ٢/ ٩٥
(٤) البحر المحيط ٢/ ٢٤٧ أ، الشفاء ٢/ ١٤٤ ونسب هذا القول إلى أبي المظفر الإسفرائيني.
(٥) الشوكاني: إرشاد الفحول ص ٣٥

<<  <  ج: ص:  >  >>