للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأجيب عن ذلك بأنه ليس فيها دلالة على خصوص متابعة المؤمنين للنبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، ولولا أن التأسّي بالنبيّ - صلى الله عليه وسلم - في ما يصنعه قاعدة شرعية عامة، لما فهم الصحابة رضي الله عنهم الحكم في ذلك في حقهم.

ولذلك قال الآمدي: وهذا من أقوى ما يستدل به ها هنا.

وعندي في الاستدلال بهذه الآية نظر. فإن إباحة التزويج كانت معلومة منذ نزل تحريم التبني، وبيان فساد ما سبق وقوعه منه، في قوله تعالى: {وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلك قولكم بأفواهكم .. } إلى قوله: { .. وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به} (١) مع قوله تعالى في المحرمات {وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم}. وإلغاء نظام التبني إلغاء لكل ما ترتب عليه، ومن ذلك ما كانوا يعتقدونه من تحريم مطلقات الأدعياء.

إذن ليس الغرض من تزويجه - صلى الله عليه وسلم - بزينب الإعلام بالحكم، فإن العلم به حاصل من قبل.

ولكن العادات لها سلطان قويّ على النفوس، ويصعب مخالفتها، ويجد الإنسان في ذلك حرجاً كبيراً. وكم من لباس مباح نافع للناس، يمتنع الإنسان من لبسه، وهو يعلم أنه حلال، لمجرد أنه يجد الحرج في ذلك، لعدم جريان العادة بلبسه في بيئته. وكذلك في المناكح والعلاقات الاجتماعية وغيرها. والروّاد هم الذين لا يبالون بذلك الحرج، فيفعلون الحسن لحسنه، وبذلك يكوّنون عادات جديدة نافعة، ويوجدون قبولاً لها في بيئتهم، وبذلك يفتحون المجال أمام غيرهم لينتفعوا بتلك العادات الجديدة. وهذا عين ما تشير إليه الآية (٢).


(١) سورة الأحزاب: آية ٤
(٢) لم أجد أحداً من المتقدمين أشار إلى هذا المعنى. ثم وجدت الأستاذ الفاضل محمد مصطفى شلبي ذكره، وأكد لي ما فهمته، حيث قال في كتابه "تعليل الأحكام" ص ١٧ ما نصه (أمر الله رسوله الكريم بزواجها، معللاً هذا الحكم بدفع الحرج والضيق عن المؤمنين في إقدامهم على ذلك الفعل. وكيف لا يكون حرج وقد كانت عادة التبني في الجاهلية فاشية =

<<  <  ج: ص:  >  >>