للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أملك" (١). والذي لا يملكه - صلى الله عليه وسلم - هنا هو ميل القلب إلى إحداهنّ أكثر من الأخرى. فهذا لا قدوة فيه، والمطلوب العدل قدر الإمكان.

وقد يقع من الأفعال ما يشتبه فيه أنه اضطراري أو غير اضطراري، فيقع الاشتباه في حكمه على أساس ذلك. ومن ذلك ما ورد عن مطرّف بن عبد الله عن أبيه، قال: "رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي وفي صدره أزيز كأزيز الرَّحَى من البكاء" (٢) - صلى الله عليه وسلم - يحتمل أنه كان يستدعي البكاء بمناسبته لمقصود العبادة، فيدل على جواز استدعائه، ويحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يغلبه البكاء وهو لا يريده، فلا يدل على جواز استدعاء البكاء. ولا بد لنا أن نفرق في أمر المحبّة والكراهية ونحوهما أيضاً بين نوعين منهما، لكل نوع حكمه:

النوع الأول: المحبّة والكراهية الناشئتان عن تعويد النفس على موافقة الشرع، بمحبة المطلوبات الشرعية، وكراهية الممنوعات، هما فعلان دالاّن على الأحكام، وينبغي الاقتداء بهما. وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به" (٣). ففي هذا الحديث، إن صحّ، حثّ على معالجة النفس لتستجيب للدواعي الشرعية، وتتّبع ما جاء به الشرع.

والنوع الثاني: المحبة والكراهية الطبيعيتان، من محبة المستلذّات وكراهية المؤلمات. فهذا النوع هو المقصود هنا، وهو الذي لا قدوة فيه لخروجه عن سلطان الإرادة. ومن أجل ذلك قيّدْنا ما لا قدوة فيه من المحبة والكراهة بـ "ما لا سيطرة له على منعه أو إيجاده".


(١) أحمد والأربعة والحاكم (الفتح الكبير) والنسائي.
(٢) أبو داود ٣/ ١٧٢ وهذا لفظه والترمذي.
(٣) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص (تفسير القرطبي ١٦/ ١٦٧) ولم يسنده إلى شيء من كتب الحديث. وفي الأربعين النووية (الحديث ٤١) فال النووي: "هذا حديث صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح" وكتاب (الحجة) هو لأبي الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي الشافعي، ورواه الطبراني.

<<  <  ج: ص:  >  >>