الضرورة. إلاّ أن إيقاعها تابع لإرادته وقصده، بحيث يستطيع الامتناع عن ذلك في وقت دون وقت.
ومثال هذا الضرب: تناول الطعام والشراب، وقضاء الحاجة، واتخاذ المنزل، والملابس، والفراش، والمشي والجلوس والنوم والتداوي من المرض، والنكاح.
فإن أصل هذه الأشياء ضروريّ للإنسان من حيث هو إنسان، بحيث يصيبه الضرر لو امتنع منها كلية. فهو يفعلها تحت ضغط الضرورة، وبذلك يكون فعله لها خارجاً عن التكليف، ولا قدوة بما لا تكليف فيه، وتكون من الضرب الأول الذي تقدّم ذكره. فمن فعل شيئاً من ذلك وزعم أنه يقتدي بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فقد أخطأ، لأنه سيفعله شاء أم أبى.
إلاّ أنه لا بد من التقصّي لأمور أربعة تتبع ذلك، هي التي تدخل في المراد بهذا الضرب الثاني.
أولاً: الهيئات التي يمكن أن تقع عليها الأفعال المشار إليها في هذا الضرب. إذ الفعل يمكن أن يقع على هيئات مختلفة، فيفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الفعل على إحدى تلك الهيئات دون غيرها، كما ورد أنه كان ينام على جنبه الأيمن، ويأكل بيمينه، ويشرب ثلاثاً. ويأتي أهله بطريق أو طرق معينة. فليس ذلك دليلاً على استحباب تلك الطريقة أو وجوبها، لإمكان عمله على الهيئة أو الهيئات الأخرى، ما لم يدل دليل على أنه - صلى الله عليه وسلم - قصد بذلك موافقة الأمر الشرعي.
ووجهه أن هذه الهيئات هي أيضاً أفعال جبلية اختيارية، وتدل على الإباحة.
ثانياً: أنواع الأشياء المستعملة من الضرورات المشار إليها، إذ قد يأكل طعاماً معيناً، كما قد أكل التمر والعسل وخبز الشعير ونحو ذلك، وليس شيء من ذلك ضرورياً، إذ قد يترك ما أكله ويأكل بدله شيئاً آخر.