للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الألاعيب والمخرقات، أو من تصرفات الجن والشياطين، بمعاونتهم أولياءهم وإيحائهم إليهم (١)، مما قد ينخدع به كثير من العوامّ وأشباههم من المنتسبين إلى العلم ممن لا فرقان له (٢)، حتى عظموا بسبب ذلك كثيراً من الكفرة، ممن كفره أعظم من كفر فرعون وقارون وهامان. واعتقدوا أن أولياءهم هؤلاء يتصرفون في الكون مع الله تعالى عما يقولون علواً كبيراً (٣).

وزاد بعض الصوفية المسألة عنفاً، بدعواهم أن الخارق يقع بقوة ذاتية في نفس الولي، وادّعوا أنها قوة إلهية (٤).

وكانت من نتيجة ذلك أن انطلت الحقائق على كثير من المسلمين، وفقد قانون السببيّة عندهم فاعليته الحضارية، حتى أصبحوا في مؤخّرة الركب العالمي. وكان من أعظم العوامل التي أدّت إلى ذلك، هذا النوع من (الإيمان) الكافر.

ولما كان الخارق مخالفاً للعادات والسنن الكونية، كانت العادات والسنن الكونية شاهداً مكذباً لما يُروَى منه. ولذلك ينبغي أن لا يصدّق ما ينقل من ذلك أو يروى من الحوادث، ما لم يكن له شهود أكثر قوة، بأن يكون النقل على درجة عالية من الثبوت، تحصل بها الطمأنينة، ويتم عندها الإذعان والتسليم، ويكون الرواة لذلك من أهل البصيرة الذين لا ينخدعون باللعب والمخرقة.

وها نحن في زماننا نستمع إلى شيء كثير مما ينقل من مثل ذلك من حوادث معاصرة، فإذا حقق الأمر تبيّن زيف الدعوى. ولم يحصل عندنا اليقين، ولو بحادثة واحدة مخالفة للسنن. وهذا يؤكّد ما قلنا.

ويؤكّده أيضاً ما عرف من طباع النقلة لهذا النوع من الأخبار، فإنهم يتزيدون فيها ويبالغون، فيظهرون بعض ما فيه غرابة مما هو عاديّ، بشكل الخارق


(١) سورة الأنعام: آية ١٢١
(٢) ابن تيمية: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ص ١٤٥، ١٥٠
(٣) محمد رشيد رضا: الوحي المحمدي ص ١٨٨
(٤) إبراهيم إبراهيم هلال: ولاية الله والطريق إليها ص ١٨٢

<<  <  ج: ص:  >  >>