للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الواسطة، وهي الفعل المجرّد الذي لم يُعلم أنه خاص، ولم يُعلم أنه مشترك الحكم، فهل يُقتدى به؟ هذا موضع الاختلاف.

فأما الذين منعوا التأسّي به أصلاً، وهم أصحاب الأقوال الثلاثة المذكورة فقد قالوا: إنه لما كان احتمال الخصوصية قائماً في كل فعل مجرد، فليس لأحد أن يدعي جواز أخذ الحكم منه، فلعلّه أن يكون مما يجوز له - صلى الله عليه وسلم - ويحرم على غيره، فيكون من اقتدى به قد فعل حراماً.

إذا نظرنا -منصفين- نجد أن خصائصه التي ثبتت بأدلة صحيحة قليلة جداً، وقد قدرناها فيما مضى بخمس عشرة خاصة، وجزء كبير منها إنما خصوصيتها بكونها محرمة عليه، والمحرم لا يفعله - صلى الله عليه وسلم -، فلا يبقى من الأفعال التي فعلها والتي ثبت اختصاصه بأحكامها أكثر من عشر خصائص.

هذا بينما أكثر الأحكام الشرعية ثبت الاشتراك فيها، كأنواع العبادات وأركانها وشروطها، وما يستحب فيها من الأفعال والهيئات وكذلك الآداب والمعاملات التي ثبت الاشتراك فيها، تزيد أضعافاً مضاعفة عما ثبت الاختصاص فيه.

ومن هنا فإن الفعل المجرّد ينبغي ألاّ تُمنع دلالته في حقّنا لأجل الاحتمال الضئيل لكونه خاصة من خصائصه - صلى الله عليه وسلم -.

يقول الآمدي: "وأما بالنسبة إلى أمته، فلأنه وإن كان، عليه الصلاة والسلام، قد اختصّ عنهم بخصائص لا يشاركونه فيها، غير أنها نادرة، بل أندر من النادر بالنسبة إلى الأحكام المشترك فيها. وعند ذلك، فما من أحد من آحاد الأفعال إلا واحتمال مشاركة الأمة للنبي - صلى الله عليه وسلم - فيه أغلب من احتمال عدم المشاركة، إدراجاً للنادر تحت الأعم الأغلب، فكانت المشاركة أظهر" (١). اهـ.

وبمثله أجاب ابن الهمّام أيضاً (٢).


(١) الإحكام ١/ ٢٥٠
(٢) تيسير التحرير ٣/ ١٢٧

<<  <  ج: ص:  >  >>