للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أفعاله، إذا لو كان واجباً لوجب أن يحضره أحد منهم دائماً، لينقل إليهم ما فعله - صلى الله عليه وسلم - من الواجبات.

وهذا من أقوى ما يحتجّون به (١).

وجوابه، وبالله التوفيق، من وجوه:

١ - أن ما يفعله - صلى الله عليه وسلم - في غيبته مما كان واجباً، لا يمتنع أن يفعل مثله مرة أو مرات أخرى بحضرتهم، فيحصل المقصود.

٢ - أنه - صلى الله عليه وسلم - قد حرص على تكثير نسائه، والحكمة أن يرين أحواله في خلوته وينقلنها إلى الناس، وهذا يدل على خلاف ما ذكروا.

٣ - أن دليلهم ينتقض بقولهم هم. إذ إنهم يقولون: فعله يدل على الاستحباب. والاستحباب شرع يجب بيانه، فكان يلزم إظهاره كالواجب.

٤ - أن ما مثلوا به أفعال جبلّيّة، لا ترقى إلى مرتبة الوجوب، بل ولا الاستحباب. والواجبات من أفعاله - صلى الله عليه وسلم - قليل، فيمكن إظهارها.

السادس: واحتج به ابن حزم (٢)، أنّ الأفعال لو كانت على الوجوب لكان ذلك تكليفاً لما لا يطاق، من وجهين:

١ - أنه كان يلزمنا أن نضع أيدينا حيث وضع - صلى الله عليه وسلم - يده، وأن نمشي حيث مشى، وننظر إلى ما نظر إليه. وهذا كله خروج عن المعقول.

ويجاب عن هذا الوجه، بأن هذه مباحات جبلّيّة لا دخل لها في الأحكام، فلا ترد على قول القائلين بالوجوب، والقائلين بالمساواة.

وأيضاً لو صحّ هذا لكان وارداً على قول الندب الذي يقول به ابن حزم، فما كان جواب القائلين بالوجوب.


(١) انظر أصول الجصاص (ق ٢٠٩ أ).
(٢) الأحكام ١/ ٤٣٥

<<  <  ج: ص:  >  >>