للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا دليل صحيح. وهو عمدة القائلين بالمساواة في الحكم. وهو الذي نأخذ به. وله يمكن الرد أيضاً على قول القائلين بالوجوب.

وقد اعترض على هذا الدليل بشبهٍ أربع:

الشبهة الأولى: وقد اعترض بها أبو شامة (١). وحاصلها أن تفسير الأسوة بالمساواة في الصورة والحكم تفسير غير مقبول، إذ لا يعرفه أئمة اللغة. بل الوارد في مصنفاته تفسير الأسوة بالاقتداء، وهو لا يقتضي المساواة في الحكم. يقول أبو شامة: "لم أر أحداً ممن وقفت على مصنفه في اللغة ذكر في معنى الائتساء والاتّباع ما ذكروا، ولا يشترط ما شرطوا، بل يفسّرون الائتساء بالاقتداء، هكذا مطلقاً. نحو قول الراغب: الأسوة والأسوة كالقُدوة والقدوة. وهي الحالة التي يكون الإنسان عليها في اتباع غيره، إن حسناً وإن قبيحاً، وإن سارّاً وإن ضارّاً. ولهذا قال تعالى: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} فوصفها بالحسنة".

ثم نقل عن غير الراغب مثل ذلك، ثم قال: "فالتأسي على هذا عبارة عن فعلٍ يوافق فعل الغير، مفعولٍ لأجل فعله، متصفٍ بصفاته الظاهرة دون الموافقة له في النية".

ثم قال: "إن دعواهم مقابلة بدعوى أكثر منهم من أهل الأصول، وهم القائلون بالتعيين من وجوب أو ندب، فإنهم لا يفسّرون التأسي والاتباع بما ذكروا، فليرجع إلى تفسير أهل اللغة فإنه الأسدّ".

وقد تلقف هذا التفسير للأسوة المحدّث الصنعاني (٢)، وأكده بالاستشهاد بقول الخنساء في مرثاة أخيها صخر:

وما يبكون مثل أخي ولكن ... أسلِّي النفس عنه بالتأسّي

بعد قولها:

ولولا كثرةُ الباكين حولي ... على إخوانهم لقتلت نفسي


(١) المحقق ق ١٨ أ، ب.
(٢) حاشية هداية العقول ١/ ٤٦٦

<<  <  ج: ص:  >  >>