للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ب- وقسم يمكن إرجاعه إلى القرآن على معنى أنّ القرآن أرشد إلى العمل بالسنة. ومثاله ما ورد عن عبد الله بن مسعود، أنه قال: "لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله" (١). فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب، وكانت تقرأ القرآن، فأتته فقالت: ما حديث بلغني عنك أنك لعنت كيت وكيت؟ فقال: "وما لي لا ألعن من لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو في كتاب الله ... ". قال الله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} (٢) ولو أنه رضي الله عنه أجابها إذ أنكرت كون ذلك في القرآن، بأنه بيان لقوله تعالى عن الشيطان: {ولآمرنهم فليغيّرنّ خلق الله} (٣) لكان جواباً، ولكنه قطع عليها خط الرجعة، بما يدل على حجية السنة ولو كانت مستقلة عن القرآن في الدلالة على الأحكام.

ومن ذلك أن السنة نهت عن أكل كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير (٤)، وليس ذلك في القرآن.

وحرمت على المحرم لبس الثياب المفصّلة المخيطة، وليس ذلك في القرآن.

وقد ذكر الشاطبي أن بعضهم رام أن يرجع ما في الأحاديث إلى النصوص القرآنية بالتفصيل بحيث يجد في القرآن دلالة تفصيلية، نصّاً أو إشارة، إلى ما دلّت عليه الأحاديث النبوية. قال: "ولكنه لا يفي بما ادّعاه، إلا أن يتكلف في ذلك مآخذ لا يقبلها كلام العرب، ولا يوافق على مثلها السلف الصالح، ولا العلماء الراسخون في العلم" وذكر أن: "هذا الرجل المشار إليه نصب نفسه لاستخراج معاني الأحاديث التي أخرجها مسلم في صحيحه، دون سواه" (٥).

وليت الشاطبي أشار إلى اسم هذا المؤلف، ليمكن العثور على ما صنعه، إذ أنه مبحث جدير بالاهتمام.

وسنعود إلى هذه المسألة بشيء من التفصيل في الفصل الثاني من الباب الأول إن شاء الله.


(١) حديث ابن مسعود، مع قصة الحديث، رواه مسلم ١٣/ ١٠٦ ورواه أحمد والبخاري وأبو داود.
(٢) سورة الحشر: آية ٧
(٣) سورة النساء: آية ١١٩
(٤) رواه أحمد ومسلم وأبو داود (الفتح الكبير).
(٥) الموافقات ٤/ ٥٢

<<  <  ج: ص:  >  >>