للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو الخطاب الحنبلي (١): إن المتنفل خلف المفترض إن قلنا يكون تابعاً، فلأن الصلاة تجمع قربة وإسقاط فرض والمتنفل متقرب، فهو تابع في القربة دون إسقاط الفرض.

وعندي أن هذا الرد لا يكفي، بل هو تصحيح لجواب أصحاب الندب.

وأجاب شارح مسلم الثبوت، على طريقة الحنفية بأن المتنفل إذا أحرم بالصلاة أصبحتْ عليه واجبة، فيستوي الإمام والمأموم في نية الوجوب. وهذا الجواب لا يجري على غير طريق الحنفية.

وأما استشهادهم بأن من خرج لجهاد فتبعه من يريد الحجّ يسمى متبعاً، فالجواب أنه متبع له في أصل السفر، وليس هو متبعاً له في جهاده. وكذلك اتباعنا للنبي - صلى الله عليه وسلم - يجب أن يكون اتباعاً في مقاصده الشريفة، من التقرّب إلى الله تعالى بما كان يتقرب به، من الواجبات والنوافل.

...

وإذ فرغنا من ذكر ما استدل به القائلون بالندب، والرد عليهم بما فتح الله به، نذكر هنا أن قول الندب إن استساغه أحد في ما وجب على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلا ينبغي أن يستساغ في ما فعله - صلى الله عليه وسلم - على وجه الإباحة، والفرق أن الواجب قد فُعِل على وجه القربة، فللندب في مثله منا وجه. أما ما فعله - صلى الله عليه وسلم - على وجه الإباحة، فإن في فعله على وجه التعبد نوعاً من الابتداع في الدين، والتقرب إلى الله تعالى بما لم يشرعه.

وقد تقدم القول في ذلك في مبحث الفعل الجبلي.


(١) التمهيد: ق ٩٠ ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>