للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخذه. فالإيتاء بمعنى الإعطاء، والأمر بأخذ المال أمر إباحة، وليس أمرَ إيجاب قطعاً. فلا صلة للآية بقضية التأسّي بالأفعال النبوية.

والتفسير الآخر للآية هو ما قاله ابن جريج من أن معناها: ما آتاكم الرسول من طاعتي فاقبلوه، وما نهاكم عنه من معصيتي فاجتنبوه.

فعلى هذا التفسير، يجاب عن استدلالهم، بأن الإيتاء هنا بمعنى الأمر (١)، بدليل مقابلته بما بعده (٢) {وما نهاكم عنه فانتهوا} وبدليل أن القول يتعدى إلينا، فيكون بمعنى العطية (٣). ومثله قوله تعالى {خذوا ما آتيناكم بقوة} أي افعلوا ما أمرتم به.

ولو سلمنا أن المؤتى يصدق على الأفعال، فذلك لا يدل على وجوب جميع أفعاله - صلى الله عليه وسلم -، بل على اتِّباعها على ما هي عليه من الأحكام.

الدليل التاسع: الإجماع، فقد رُوي عن الصحابة، "أنهم لما اختلفوا في الغسل من الوطء دون إنزال، أرسل عمر إلى عائشة رضي الله عنها فسألها عن ذلك، فقالت: فعلتُه أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - واغتسلنا. فأخذ عمر بذلك. وقال: لا أسمع أحداً قال بعد هذا: الماء من الماء، إلاّ جعلته نكالاً" (٤). وأجمعت الأمة على ذلك بعده.

فكان اكتفاؤهم في إيجاب ذلك بمجرد الفعل، دليلاً على أنهم مجمعون على أن الفعل دليل الوجوب.

وقد أجيب عن ذلك بأجوبة:

١ - إن ذلك فعل بياني وليس فعلاً مجرداً (٥)، والفعل إذا كان بياناً لواجب


(١) الشوكاني: إرشاد الفحول ص ٣٦
(٢) أبو الحسين البصري المعتمد ١/ ٣٨١
(٣) القاضي عبد الجبار: المغني ١٧/ ٢٦٤
(٤) الطحاوي في مشكل الآثار بسند فيه ابن لهيعة (وهو ضعيف) وأصل الحديث عند مسلم (الزركشي: الإجابة ص ٧٨) قلت: هو عند الشافعي وأحمد بسياق آخر (انظر كنز العمال ٩/ ٣٢٥).
(٥) العضد على مختصر ابن الحاجب ٢/ ٢٤، الصنعاني: هداية العقول ١/ ٤٦٧

<<  <  ج: ص:  >  >>